ما أفسدته السياسة يُصلحه الفنّ! هكذا يمكن وصف العلاقة بين السعودية وسوريا، وسط كلام عن انطلاق التحضيرات لعودة شبكة mbc إلى دمشق، بعد سنوات من الغياب إثر الحرب السورية وتورّط السعودية فيها. هذه المرة سيكون تفعيل الصلحة بين البلدين، من باب تصوير المسلسلات وإنتاجها في دمشق. صحيح أن الإنتاج السعودي لم يغب عن الدراما السورية أبداً، وكان يتم تنفيذه عبر شركات الإنتاج السورية واللبنانية (صبّاح إخوان)، أبرزها مسلسلا «الزند» و«تاج» للسوري تيم حسن، لكن لدى الحديث عن عودة mbc إلى دمشق بشكل مباشر، فهنا يكون كلام آخر.
(نهاد علم الدين)

قبل اندلاع الحرب السورية، أي قبل 14 عاماً، كانت دمشق ملاذاً للإعلاميين والفنانين العرب والخليجيين، ومرتعاً للنجوم الذين يتنقّلون بين مقاهيها الشعبية وأحيائها التراثية. لكن الحرب كانت مفصلاً في تلك العلاقة التي تدهورت سريعاً، ووصلت إلى حدّ القطيعة بين الطرفين، وانعكست سلباً على الفنّ والدراما، قبل أن ينقسم النجوم السوريون بين معارضة وموالاة، وتستقرّ غالبيتهم خارج بلادها. عندها، راحت mbc تدعم النجوم المعارضين وتفتح لهم برامج المواهب لديها («ذا فويس» و«أراب آيدول»...)، وتدرّ الأموال على مشاريع كانت مجرّد فقاعات. مع هدوء نيران الحرب في السنوات الخمس الأخيرة، بدأ الهمس السياسي يتفاعل بين دمشق والرياض، ليبشّر بمحاولات استئناف العلاقة وطيّ صفحة الماضي، آخرها في شهر أيار (مايو) الماضي عندما عيّنت السعودية فيصل المجفل، سفيراً لها في سوريا. راحت التساؤلات تُطرح حول تأثير الخطوة السياسية على العلاقة بين البلدين على جميع المستويات الفنية والاقتصادية...
ويبدو أنّ انعكاس المصالحة السياسية بين البلدين بدأ بالظهور تباعاً، وكان الفنّ أول مدماك في تلك الصلحة، مع العلم أن الدراما السورية تحاول النهوض من موتها السريري، وربما تكون السعودية اليد التي ستنتشلها من سباتها. إذ ينتشر كلام عن عودة السعوديين إلى الشام من باب الدراما المعرّبة المأخوذة عن الفورما التركي التي تبنّتها mbc منذ عام 2019 مع «عروس بيروت» الذي يعدّ النسخة العربية من «عروس إسطنبول». لاحقاً كرّت سبحة المشاريع المعرّبة التي لعب بطولتها نجوم سوريون ولبنانيون، وأنتجتها شركة O3 media التابعة لـ mbc التي تملك فرعاً لها في تركيا. تلك المشاريع كانت تُصوّر في مدينة إسطنبول ويشرف عليها فريق تركي وسوري وتوضع لها ميزانية ضخمة. مع العلم أنّ غالبية المسلسلات التركية كانت تتم دبلجتها إلى اللهجة السورية، وعُرضت قبل سنوات على القنوات العربية.
زار دمشق فريقٌ من صنّاع الدراما المشتركة وقدّم اقتراحاته إلى السوريين


في هذا السياق، تلفت المعلومات لنا إلى أنّه في ظلّ التطورات السياسية الحالية، تلقّى السوريون عرضاً من mbc يقضي بتصوير الدراما المعرّبة في دمشق. وتشير المصادر إلى أنّ فريقاً من القائمين على تلك المسلسلات زار دمشق أخيراً واجتمع بصنّاع الدراما هناك، عارضاً عليهم تسهيل عمليات التصوير للانتقال من تركيا إلى سوريا، على أن يكون مسلسل «إيزيل» الذي سيلعب بطولته باسل خياط ومجموعة نجوم سيُعلن عنهم قريباً، أول تلك المشاريع التي تدور كاميراتها في سوريا. ويتم تحضير «إيزيل» بسرّية، لأن العمل سيكون مفصلياً في مستقبل الدراما المعرّبة، وتحديداً بعد فشلها في غالبية نسخاتها، آخرها مسلسل «لعبة حب» الذي جمع النجوم السوريين معتصم النهار ونور علي وشكران مرتجى وغيرهم، والمأخوذ عن مسلسل «حبّ للإيجار». كما أنّ دعسة خياط كانت ناقصة في الدراما المعرّبة، بعد فشله في مسلسل «الثمن» (مأخوذ عن المسلسل التركي «ويبقى الحبّ») الذي جمعه مع اللبنانية رزان جمال.
على الضفة نفسها، تكشف المعلومات أنّ mbc تعرّضت أخيراً لمشكلات خلال تصوير مشاريعها في تركيا، على رأسها صعوبة حصول الممثلين اللبنانيين والسوريين على إقامات العمل. كذلك، فرضت تركيا ضرائب جديدة على صنّاع الدراما على أراضيها، إلى جانب ارتفاع كلفة التصوير وسط ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة التركية.
وتشير المصادر إلى أنه وسط الضغوط التركية، راح صنّاع الدراما المعرّبة يفتشون عن حلول للمشكلات، فكان قرارهم تغيير مكان التصوير والانتقال إلى مكان آخر. وكان أمام السعوديين ثلاثة خيارات للتصوير، هي اليونان وسوريا ولبنان. جاء اختيار اليونان لقربها من تركيا، لأنّ فريق التصوير التركي سيبقى حاضراً في المشاريع. لكن تلك الخطوة تعرقلت بسبب صعوبة حصول الفريق اللبناني والسوري على تأشيرة «شنغن» لدخول اليونان، فأُسقط هذا الخيار لمصلحة التوجّه إلى سوريا، خصوصاً أنّ الوضع الأمني والسياسي في لبنان لا يشجّع على تصوير الأعمال فيه. وتلفت المعلومات إلى أنّ السعوديين قدّموا اقتراحاتهم إلى السوريين، وينتظرون حالياً جوابهم. لكن السؤال الأهم: كيف سيتم التعاون المالي بين الطرفين في ظلّ عقوبات «قانون قيصر» على سوريا؟ توضح المعلومات أنّ الاتفاق السياسي هو الأهمّ في هذه العملية، إذ يمكن بالتالي التحايل على قانون قيصر بطرق شتّى.
ومع تصدّر سوريا المشهد الدرامي، طُرحت علامات استفهام حول مستقبل مشاركة الممثلين اللبنانيين في الدراما المعرّبة، خصوصاً أنّ أجور اللبنانيين أقل بكثير من زملائهم السوريين الذين يستحوذون على تلك المشاريع. مع العلم أن مستقبل الدراما اللبنانية على المحكّ أيضاً، إذ تغيب عن السباق بعد فورة موضة الدراما المعرّبة والمشتركة. ليست الدراما اللبنانية وحدها في عنق الزجاجة، بل أيضاً الدراما المشتركة التي تعيش مخاضها العسير في العامين الأخيرين بعدما خفّ وهجها في ظل انتشار المسلسلات القصيرة.
باختصار، تشهد الساحة الدرامية عملية خلط أوراق، ويبقى السؤال الأهم: لماذا يغيب لبنان عن حسابات القائمين على شبكة mbc؟ وهل ستتم عرقلة انتقال الدراما المعرّبة إلى سوريا وبالتالي تكون بيروت البديل؟ مع العلم أنّ العاصمة اللبنانية كانت الشرارة الأولى لنجاح البرامج التي عرضتها mbc وحققت جماهيرية واسعةً لم تعرفها سابقاً، سواء في لندن حيث انطلقت mbc أو في دبي حيث كان مركزها الأساسي.