بعد التحركات الاحتجاجية التي شهدها سجن رومية أخيراً، والتي كان الاكتظاظ «الفاقع» أحد أهم أسبابها، ابتدع المسؤولون عن السجون حلاً جزئياً، مفترضين أنهم سيحلّون بذلك جزءاً من المشكلة. فبدأوا يحيلون الموقوفين في بيروت وجبل لبنان إلى سجون الأطراف، وتحديداً إلى طرابلس، بعدما كانوا يحيلونهم إلى سجن رومية لقربه من أماكن إقامتهم وعائلاتهم. بيد أن هذا الحل، ومن حيث لا يدري مقرروه، أفرز مشكلة جديدة لا تقل «مرارة» عن مشكلة الاكتظاظ، ليتبيّن أن عقلية «تصحيح الخطأ بالخطأ» هي الحاكمة في هذا المجال.من النماذج الدالة على المشكلة المستجدّة، اضطرار والدة أحد السجناء إلى زيارة ابنها في سجن طرابلس، مع ما يعنيه ذلك من تكبد عناء الانتقال من بيروت وبالتالي زيادة تكلفة النقل، خصوصاً لمثل من هم في حالتها المادية الصعبة. أكثر من ذلك، طلب منها ابنها في إحدى المرات توكيل محام ليدافع عنه، فوافقت على طلبه وبدأت السعي إلى ذلك. استفسرت عن آلية التوكيل، فأخبروها بأن على ابنها ملء استمارة خاصة، موقّعة من آمر السجن. ذهبت إلى طرابلس وحصلت على الاستمارة. أخبروها هناك بأن عليها أن تذهب إلى النيابة العامة في بيروت، حتى تأخذ الموافقة. فعلت ذلك. ثم ماذا؟ قالوا لها إن عليها أن تعود إلى طرابلس، وتقصد هناك أحد الكتّاب العدل لتصطحبه معها إلى السجن ويجري هو المهمة المحصورة به قانوناً، بحيث يصبح رسمياً وكيلاً عن الموقوف بعد بضعة إجراءات. هكذا، احتاجت الأم، التي عزّ عليها أن تخيّب رجاء ولدها، إلى عناء وتكاليف، كان بالإمكان الاستغناء عنها لو أن النيابة العامة التمييزية تصدر تعميماً بسيطاً، لا يُكلف خاطرها شيئاً، على حد تعبير أحد المحامين، تصبح بموجبه شؤون كل سجن من الناحية القضائية (التواقيع) عائدة للنيابة العامة في المحافظة التي يقع فيها السجن.
معاناة تلك الأم ليست سوى نموذج من شكاوى كثيرة تلقتها «الأخبار» من أهالي سجناء، ومثلها من محامين يتذمرون من الآلية المعقدة، على الرغم من أنهم ينالون اتعابهم كاملة من الموكلين.
«الأخبار» اتصلت بالنيابة العامة في كل من بيروت وجبل لبنان، ناقلة إلى المعنيين الشكاوى المذكورة، ومستفسرة عمّا إذا كان هناك من حل لها. لم يجد أحد القضاة المعنيين حرجاً في الاعتراف بوجود المشكلة، التي «لا حل لها لدينا، لكن يمكن حلها من خلال مراجعة الأهالي للمدّعي العام التمييزي، بغية الحصول على موافقة استثنائية لمتابعة القضية مع النيابة العامة في طرابلس». لكن هل باستطاعة كل أهالي السجناء مقابلة المدّعي العام التمييزي أصلاً؟ الجواب... «لا جواب».
ويقول أحد القضاة: «هذه مشكلة فعلاً، وهي مزمنة، ولا تتوقف عند وكالات المحامين، بل تتعداها إلى اجراءات طلبات إخلاء السبيل، التي يحتاج أهالي الموقوف في كل مرّة إلى زيارة ابنهم في السجن ليأخذوا استمارة جديدة منه، بعد رد الطلب». أما عن الحل، فهو «بسيط جداً: أن تكون هناك إدارة مركزية، تتفرع عنها لجان من الأجهزة الأمنية التي تنسق في ما بينها، وبالتالي يوضع السجين في أقرب سجن إلى مكان إقامته، علماً أن الجهة التي تقرر حالياً مكان التوقيف هي القوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية لا القضاة أو وزارة العدل».