يترافق بدء العام الدراسي في معظم المدارس الخاصة مع استحقاق شهر رمضان. تختلط المصاريف ويفشل المواطنون في التخطيط المسبق للمناسبات المتداخلة. وفيما لا يخفون قلقهم من زيادة محتملة للأقساط، يصرّون على مقاطعة المدرسة الرسمية، لكونها غير موثوقة
فاتن الحاج
يزدحم أيلول هذا العام بمناسبات تتقاطع. الارتفاع الجنوني للأسعار، تأخير بتّ تصحيح الرواتب والأجور، موسم رمضان بما يعنيه من مصاريف كامل الشهر، إضافة إلى الأعياد.
فموجة الغلاء التي تعاظمت منذ بضعة أشهر، معطوفة على تضخم يتراكم منذ سنوات، نازعاً القدرة الشرائية عمّا يصل إلى جيوب المواطنين، قلب حسابات هؤلاء. هكذا، تراهم يحتارون في التخطيط المسبق للاستحقاقات المتداخلة. وإذا كان موعد شهر رمضان معروفاً، وكذلك موعد العام الدراسي، فإنّ الأهالي توقعوا أن تقوم إدارات المدارس بتأجيل استحقاق دفع الأقساط الأولى، على الأقل إلى ما بعد عطلة العيد لتنظيم أمورهم. لكن الأهالي لا يخفون قلقهم من احتمال لجوء المدارس، في مصيبة أخيرة، إلى زيادة محتملة على الأقساط، لكون «رائحة» زيادة الأجور مبثوثة في الأجواء الوطنية.
«ضربة قاضية». هكذا تصف سمية جابر تزامن حلول رمضان وبدء العام الدراسي. وتضيف السيدة التي يعيل أسرتها أولادها المغتربون: «أنا لا أعمل، وكذلك زوجي. لديّ ولدان في المدرسة الرسمية، وبنت في مدرسة خاصة. اضطررت، بداية هذا الشهر لأن أدفع 600 دولار أميركي مقابل اللوازم المدرسية، و400 دولار لمشتريات رمضان الأساسية، من دون اللحوم والخضر والحلويات». وتؤكد جابر بحسرة: «طبعاً كنت بتمنى تتأخر المدرسة، لأني صرت مضطرة لأطلب من أولادي مضاعفة (الجعالة) الشهريّة».
لكن، ما كل ما تمنته جابر سيتحقق، بدليل أنّ معظم المؤسسات التربوية الخاصة، التزمت الموعد الرسمي لانطلاقة السنة الدراسية في التعليم الخاص، الذي حدد بين 15 و30 أيلول. وفي المقابل، خرقت بعض المدارس الخاصة الاتفاق التربوي الذي نص على التاريخ السابق، لتبدأ عامها في الأسبوع الأول من الجاري. بينما آثر عدد ضئيل من المدارس البدء بالدراسة، أوائل تشرين لما للصوم من تأثير محتمل على استيعاب الطلاب، كما قال نبيل الزهيري، مدير «المدرسة المعنية».
لكن همّ ليلى قليلات ليس استيعاب أبنائها، بقدر تأجيل دفع الأقساط، الأمر الذي لا يشمله إجراء تأجيل الدراسة. لذلك، لم تسجل قليلات أولادها الثلاثة حتى الآن، وهو ما كان مفترضاً منذ حزيران الماضي. وهي تبدي امتعاضها من «زيادة 200 ألف ليرة لبنانية على آخر قسط دفعناه العام الماضي، والخير لقدام ما داموا شمّوا ريحة الزودة على المعاشات». وفيما تنفي إمكان رصد ميزانية مسبقة لرمضان «لأنّ الأسعار تغيّرت، ومهما خططنا فسنقع في عجز مادي»، تتمنى لو أنّ الزيادة على الرواتب تُقَر مع مفعول رجعي قبل دفع القسط الأول وفاتورة القرطاسية والكتب نهاية هذا الشهر.
لكن المفارقة أنّ الواقع المعيشي المتأزم لم يمنع قسماً كبيراً من الأهالي من الإصرار على مقاطعة المدرسة الرسمية، فيما تكون المساومة على مدرسة خاصة أقل تكلفة. تقف ميرفت توبة حائرة أمام «ستاند» للمواد الغذائية في مركز تجاري. تختار ما لا يتجاوز مصروفها اليومي، أي 20 ألف ليرة. هي غير قادرة على تحمل أعباء إضافية، فالـ400 ألف ليرة، أو القسط الكامل لكل من ولديها في إحدى المدارس الخاصة العادية، لم تستطع توفيره حتى الآن. فقد خسر رب الأسرة أخيراً عمله سائقاً خاصاً، وليس لديهم مورد ثانٍ سوى «الحرتقة» على سيارة يستأجرها.
«اللي رحمنا أكتر شي إنّو زوجي يتقاضى المنحة المدرسية سلفاً، بس ما بعرف إذا كان رمضان لازم كان يتأخر شوي»، تقول زينب طفيلي ممازحة. فهي خسرت عملها أخيراً «مساهمة» من رب عملها في «تجديد دم المؤسسة».
«مش عم لاقي مدرسة لديها مستوى تعليمي جيّد بهيدا البادجيت»، تقول إيمان حراجلي التي تحاول أن تخفض فاتورة أقساط ثلاثة أبناء إلى 1500 دولار للواحد. تشكو حراجلي من فاتورة رمضان اليومية «التي لا تقل عن 50 دولاراً»، وتقول: «زوجي مسافر وإنتاجنا برّا وعم نشعر بالعجز، كيف اللي إنتاجه جوّا؟». وتضيف: «إن كانت هناك مدارس رسمية موثوقة، فهل كنت ألجأ إلى المدارس الخاصة؟».


موعد
الروزنامة الفرنسية

التزمت المدارس العلمانية اللبنانية التي تتبع النظام الدراسي الفرنسي الروزنامة الخاصة بالمدارس الفرنسية، فتفتح أبوابها بدءاً من الأربعاء المقبل، أي في 10 أيلول الجاري. أما التسجيل وتسديد الدفعة الأولى من الأقساط والحصول على اللوازم المدرسية فتنجز في شهر حزيران من كل عام.

غالون الجلاب

لم يتمكن علي سليم من ادّخار مصاريف المدرسة خلال الصيف كما كان يفعل دائماً، وهو اليوم يواجه مشكلة في توفير الدفعة الأولى من قسط ابنته، الذي يبلغ مليونين و100 ألف ليرة لبنانية. سليم مستاءٌ أيضاً من ارتفاع الأسعار، «ففيما كان غالون الجلاب مثلاً بـ4500 ل.ل، أصبح ثمنه 8250 ل.ل. وقس على ذلك»

تأجيل المصاريف

لم يسجّل محمد عيتاني أولاده الأربعة حتى الآن. فهو لا يزال ينتظر المنحة من المؤسسة التي يعمل فيها. «ما علينا سندفعه عاجلاً أو آجلاً»، ويردف عيتاني قائلاً: «لكن تأجيل المصاريف يريحنا نفسياً»، ولا يتردد في الإفصاح عن «أنّ شهر رمضان يكلف أسرته 4 ملايين ل.ل»