فايز فارسالمرشحون للانتخابات النيابيّة المقبلة من الناقورة إلى النهر الكبير، ومن رأس بيروت إلى رأس بعلبك، كلهم انشغالاً بحملاتهم الانتخابيّة، يبحثون عن باب يعبرون منه إلى صالة الشرف في منتجع الأربعتش السياحي، أو إلى حديقة الثمانية المتنوعة في نباتاتها وأشجارها. هذا يرفع لافتة المحكمة الخاصة بلبنان بالرغم من كونها أصبحت واقعاً لا تراجع عنه، وذاك يتحدث عن استعداده الكامل للعمل مع الآخر من أجل تأليف حكومة وفاق وطني.
هذا يفتح قلبه لكل أشكال الحوار والتفاهم وذاك يرفض الحوار بطريقة ملتوية لأن الحوار يفقده شعبيته في مكان ما. هذا يحدّثنا عن أحجام وذاك يرد عليه بالإحجام. هذا يبشر بنهاية الدعم الأميركي لحلفاء واشنطن في لبنان وذاك ينتظر الترياق من السعودية مروراً بالعراق، ولا أحد يحدثنا عن حجم الدين العام الحقيقي وعن الوسيلة الفضلى لتسديده من دون امتصاص ما بقي من دم في عروق المواطن اللبناني المنهك وشرايينه.
وحده العماد ميشال عون يأتي على ذكر الدين العام من حين إلى آخر، عندما يتحدث عن الفساد الذي يلفّ العقول والقلوب ويثقب الجيوب منذ ولادة هذه الجمهورية البائسة بنسختيها الأولى والثانية. مع العلم أن الحديث عن الفساد ووليده الدين العام والمطالبة بلجنة مالية دولية للنظر في هذا الأمر هما اللذان أدّيا إلى «طرد» هذا العماد من نعيم الأربعتش، رغم تعاطفه الصادق وتأييده الصريح للجنة التحقيق الدولية.
وتقشعر أبدان اللبنانيين عندما يقرأون أو يسمعون وزير المالية الدكتور محمد شطح وهو يصرّح منذ أيام بأن على اللبنانيين أن يعلموا «أن كل بيت لبناني مديون حالياً بما يعادل الخمسين ألف دولار». فالبيت هنا يعني البيت الضريبي أي المؤلف من الأب المعيل وزوجته وأولادهما، على أساس أن معدل أعضاء العائلة اللبنانية هو خمسة أشخاص. هذا يعني أن كل مواطن لبناني بين كبير وصغير هو مديون بما يوازي عشرة آلاف دولار للشخص الواحد.
لكن الوزير العتيد، لم يخرج علينا يوماً بخطة تمكّن لبنان من إيفاء ديونه من دون إضافة ضرائب ورسوم جديدة على كاهل اللبنانيين، ومن دون الاعتماد على خصخصة قطاع هاتف خلوي مدرٍّ هنا، أو قطاع كهرباء هالك هناك. ألم يُثبت لنا الرئيس فؤاد السنيورة خلال عقد ونيّف من تسلّطه على مالية لبنان واللبنانيين أنه عاجز عن وضع خطة إنمائية وطنية شاملة تحدّ أقله من تنامي الدين العام وهيمنة المؤسسات المالية الدولية على مقدّرات البلاد، بينما أغنياء لبنان مبعدون ممنوعون من المشاركة في إنماء بلدهم؟ وها هو يقدم اليوم «واثق الخطوة يمشي ملكاً» على الترشّح عن مدينة صيدا في الانتخابات النيابية القادمة، وكأني به يبحث عن مكافأة لم يستحقها في مكان آخر. فإلى متى سيبقى وزير المالية في لبنان في مستوى محصّل ضرائب؟
لذا من حق المواطن المسحوق أن يسأل: لماذا لا يجرؤ أغلبية السياسيين في لبنان على كشف المستور وتسمية كل المسؤولين عن إدخال لبنان رغماً عنه في دوّامة المديونية العامة قبل استفحال الأزمة المالية العالمية بعشرين سنة، كما أُدخل في تلك الحرب العبثية السيئة الذكر بهدف القضاء عليه، وإخضاع شعبه، وتحويل البلد إلى منتجع سياحي ترفيهي، وتحويل ناسه إلى مجرد خدم موظفين عاملين من أجل تأمين كل مستلزمات البسط والانشراح لأغنياء منطقة الشرق الأوسط والعالم، وتحويله أيضاً ملاذاً آمناً لاستثماراتهم وودائعهم في زمن لم تعد فيه السرّية المصرفية مفخرة سويسرية؟