الخرطوم | لم يمهل منزل أسرة عبد اللطيف في ضاحية «الكلاكلة» جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم ذويه حتى الأجل الزمني الذي تنبّأت به هيئة الأرصاد الجوية المحلية، فانهار كُلياً وسط ذهول قاطنيه. وبعد أن صدّقت العائلة نبوءات هيئة الأرصاد في الآونة الأخيرة، إذ أعلنت الأخيرة أن يومي الأربعاء والخميس (اليوم وغداً) ستشهد الخرطوم والمناطق الجنوبية من الولاية، التي تقع بين النيلين الأبيض والأزرق، أمطاراً غزيرة، وقعت الكارثة قبل الموعد الذي كان الناس بانتظاره. والنتيجة أن آلاف الأسر باتت في وضع إنساني صعب للغاية مع تزايد توالد البعوض الناقل لمرض الملاريا، وافتقارها الى وسائل الإيواء من خيم وأغطية وفرش.
ووفق آخر الإحصائيات، فإن العدد الكلي للمتضررين وصل إلى 150,000 شخص، فيما يشهد منسوب النيل ارتفاعاً ملحوظاً، إذ يفصله حتى أمس 28 سنتيمتراً فقط لبلوغ مرحلة الفيضان. والمفارقة أن هذه الأمطار جاءت بعد شهور قليلة من الجفاف وانحباس المطر في الخريف الماضي، والذي دفع الناس الى إقامة صلوات الاستسقاء والدعاء من أجل نزول الغيث. وفيما تنتظر تلك الأسر المنكوبة تدخّل السلطات الحكومية لإنقاذها من تحت أنقاض السيول والفيضانات التي دمرت منازلهم وأغرقت ممتلكاتهم، اجتمعت اللجنة العليا لبحث وسائل استقطاب الدعم الخارجي للمتأثرين بالسيول والأمطار ومواجهة الآثار المتوقعة برئاسة وزير الخارجية علي كرتي، وذلك عبر جلب الدعم من السودانيين في الخارج.
وبرزت مجموعة شبابية منذ اليوم الأول للكارثة من أجل تقديم المساعدة للمتضررين، واستطاعت تلك المجموعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كسب ثقة الشعب السوداني داخل السودان وخارجه في فترة وجيزة، حيث انهالت عليهم التبرعات من المواطنين، لا سيما في الخارج _ الولايات المتحدة، وكندا، وجنوب أفريقيا، والسعودية، وقطر، والامارات وغيرها من الدول.
وهبّ الشباب المتطوع لنجدة المحتاجين في خطوة أثارت استفزاز الأجهزة الرسمية الحكومية التي حاولت وضع العراقيل أمام مبادرة «نفير»، بمطالبتها بالتسجيل كمنظمة ضمن منظمات المجتمع المدني.
وفي خطوة موازية، أنشأت الحكومة منظمات طوعية لجمع التبرعات من المواطنين. غير أن تلك المنظمات ليست محل ثقة من المواطنين على ما يبدو. فالمواطنة سامية عوض (معلمة) تقول لـ«الأخبار»: «أنا لا أثق بالمنظمات التي تنشئها الحكومة في إيصال مساعدتنا الى أهلنا المتضررين». لذلك فضّلت إيصال مساعدتها مباشرة الى المتضررين.
ويرى متابعون أن مبادرة «نفير» الشبابية كشفت سوء الحكومة أمام شعبها، إذ إن المجموعة لديها من الآليات والتقنيات ما يمكنها من إيصال المعلومات بسرعة الى المناطق المتأثره في حال هطل الأمطار وتنبيه الأهالي لأخذ الحيطة، ونشر تلك المعلومات عبر مكبرات الصوت في المساجد.
كذلك التحق بالمبادرة كل التخصصات والمهن من طب وهندسة وتقنية معلومات ومتخصصي حاسوب، والهلال الأحمر السوداني، فيما يبدو أن حكومة الخرطوم في انتظار المساعدات المحمولة جواً، إذ وصلت فعلاً أول من أمس أول طائرة قطرية مُحمّلة بالمساعدات الإنسانية. ومن المفترض أن يستمر تواصل الجسر الجوي القطري، بينما وصلت أمس طائرة مساعدات إثيوبية.
وبدا أن تحرك الحكومة تجاه الأزمة جاء متأخراً ولم يقدّم للمتضررين شيئاً، إذ اكتفى المسؤولون بإنشاء لجان المتابعة، والطواف الميداني على المناطق المتأثرة، بينما لم تنتظر السيول والفيضانات كل تلك التحركات البيروقراطية، وكما يقول المثل المحلي «السيل لا يترك مجراه مهما طال الزمن».
في هذا الوقت، أعلنت الجهات الرسمية تأجيل الدراسة في الجامعات السودانية لمدة أسبوعين للمساهمة في درء السيول والأمطار، كما تم من قبل تعليق الدراسة في مدارس ولاية الخرطوم الى العشرين من الشهر الحالي.