غزة | أشبه بهيكل عظمي، استحال جسد الطفلة هناء عبد الرحمن الراعي المصابة بمرض السكر المزمن وسوء التغذية، وذلك نتيجة عدم توافر علاج لها في «مستشفى شهداء الأقصى». وتعدّ هناء واحدة من الضحايا المحتملين لانعدام الأمن الصحي والغذائي في قطاع غزة، والذي بات يشكّل خطورة كبيرة على حياة المواطنين، ولا سيما الأطفال منهم، علماً أن مكتب الإعلام الحكومي في القطاع كان قد أعلن استشهاد نحو 37 مواطناً، غالبيتهم من الأطفال، بسبب سوء التغذية وعدم توافر المستلزمات الطبية والصحية، منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر 2023. وعن حالة طفلته ذات الثلاثة أعوام، يقول عبد الرحمن، الذي نزح وعائلته إلى منطقة الزوايدة وسط القطاع، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «تناول المعلبات على مدار الشهور السابقة، تسبب في إصابة أعداد كبيرة من الأطفال بسوء التغذية». ويضيف أنه «مع مرور الأسابيع والشهور على حرب الإبادة، تفاجأت كثيراً من نقص وزن هناء، كانت تزن 15 كيلوغراماً وفجأة نقص وزنها إلى 9 كيلوات، فتوجهنا بها إلى المستشفى». ويتابع: «بحثت كثيراً عن الإبر المناسبة لعلاج هناء من دون جدوى، وناشدت المؤسسات الصحية والطبية من دون قدرة على توفير العلاج اللازم. لذلك، الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياة هناء هي تحويلها للعلاج في الخارج».
على بعد مترين فقط من سرير هناء الراعي، يمكث الطفل يوسف الجوجو، ذو العشرة أشهر، والذي يلازم جهاز التبخير على مدار الوقت، بالنظر إلى أن جسده متوقف عن النمو. تقول والدة يوسف لـ«الأخبار»: «المفترض أن يكون وزنه 9 كيلوات، ولكنه حتى الآن لم يتجاوز الـ5 كيلوات، وهذا يشكل خطراً على حياته»، لافتةً إلى أنه يعاني من «سوء تغذية من الدرجة الحمراء، والتهاب في الصدر والدم بسبب الظروف التي نعيش فيها من حرب إبادة وإغلاق للمعابر، والتي أدت إلى عدم توافر الحليب الخاص له». وكانت والدة يوسف قد أُجهدت في البحث عن حليب «سنستيف»، ولكن من دون جدوى، الأمر الذي دفعها إلى تغييره مرة ومرتين وثلاث. لكن، «في كل مرة، كانت حالة يوسف تتدهور كثيراً، وبات جسده ضعيفاً جداً وعديم النشاط دائماً».
كل الغزيين يعانون سوء التغذية، لكن التداعيات تظهر بشكل أكبر عند الأطفال


من جهته، يشير الطبيب شريف مطر، وهو اختصاصي أطفال في مستشفى «شهداء الأقصى»، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك أنواعاً ودرجات لسوء التغذية، فجميع الحالات التي توفيت وصلت إلى درجة شديدة من عدم توافر غذاء سليم وكافٍ وصحي، وبالتالي يدخل الجسم في حالة تكسير مستمر، ولا يصنّع أجساماً مضادة بشكل كافٍ». ويضرب الطبيب مثالاً على ذلك بالقول إن «أي التهاب بكتيري يصاب به الجسم يمكن أن يعالج بمضاد حيوي بسيط، لكن بسبب سوء التغذية، يصبح الجسد ضعيفاً ولا يمتلك المناعة الكافية لمواجهة البكتيريا، لذلك تحدث له مضاعفات شديدة وتصبح الحالة معقدة، والحالة التي تحتاج إلى مضاد حيوي بسيط ستحتاج إلى مضادات حيوية قوية».
ويلفت مطر إلى أن الحرب هي «السبب الرئيسي لسوء التغذية، فالفكرة ليست أن الولد أكل وشبع، بل ماذا أكل؟ تقريباً هناك طعام واحد يتمثل في الخبز وحبة بطاطا، فلا يوجد أكل سليم، ولا أكل متنوع، والجسم يحتاج إلى طعام متكامل يحتوي على المعادن والبروتينات والفيتامينات، وهذا لا يوجد في غزة»، مضيفاً أن «كل الغزيين يعانون سوء التغذية، لكن التداعيات تظهر بشكل أكبر عند الأطفال، لعدم امتلاكهم مخزوناً كافياً من الفيتامينات والبروتينات والمعادن». ويتابع أن المشكلة «أسوأ مما يتخيل الناس، فهناك أنواع علاجية من الحليب» غير متوافرة، «فيما الناس يستعملون أنواع حليب غير مناسبة لأطفالهم، من مثل حليب وكالة "أونروا" لطفل عمره 3 أو 4 أشهر، وهذا يؤذي الأمعاء ويتسبب في الحساسية ومشكلات كثيرة».
ويبيّن أن «الحليب الخالي من اللاكتوز غير موجود، وهذا ضروري للأطفال الذين يعانون من حساسية اللاكتوز والإسهال المزمن»، بينما «هناك حالات تستجيب لحليب الصويا، وهذا مستحيل الحصول عليه الآن».
أيضاً، ثمة حالات مرضية تعاني من حموضة الدم والبروتين العالي، وهؤلاء «لم تدخل أنواع الحليب الخاصة بهم منذ بدء الحرب»، وفقاً للطبيب الذي يلفت كذلك إلى أن «هناك حالات بِيلَةُ الفينيل كيتون (PKU) يحتاج أصحابها إلى حليب معين يحتوي على بروتين، لكنه غير موجود منذ 8 أشهر، والمشكلة أن غياب هذا الحليب يتسبب في تلف الدماغ». ويفيد بأن «أحد الأطفال توفي بسبب عدم وجود منظار»، مضيفاً أن «الوضع يزداد سوءاً لأن هناك حالات تحتاج إلى فحوصات خارجية بسبب قلة الإمكانات هنا، كأن تؤخذ عينات من الأمعاء لفحصها».
وحول الوضع الصحي في «مستشفى شهداء الأقصى» خصوصاً، يشير الطبيب إلى أنه «لا يوجد سوى قسم واحد للأطفال»، متابعاً أن «السعة الاستيعابية للقسم تراوح بين 20 و30 طفلاً»، فيما «يوجد أكثر من 85 حالة في ممرات القسم، هناك العشرات من الحالات التي لسنا قادرين على استقبالها». وأمام هذه المعاناة الشديدة، يناشد مطر «العالم أجمع وقف الحرب وفتح المعابر وتوفير الغذاء والعلاج المناسب».