صباح الخميس (3 آب)، وبعد انتهاء المعارك، بدا مخيّم عين الحلوة، جنوبي لبنان، ولا سيما الشارع الفوقاني منه، وكأنه مشهد مقتطع من فيلم سينمائي يروي حكاية مدينة ستالينغراد السوفياتية. هكذا كان، ولا يعرف إلى متى سيبقى على هذه الحال، بسبب المعارك التي أسفرت، حسب بيان لـ«الأونروا» يوم 5 آب نشرته في موقعها الرسمي، عن «مقتل 12 شخصاً، من بينهم مدني واحد. وقد أُصيب أكثر من 50 شخصاً بجروح وأُجبر حوالى 2000 لاجئ من فلسطين على الفرار من منازلهم». في حين أشارت «الأونروا» في تقرير سابق يوم 3 آب إلى أن المعارك أدّت إلى «مقتل 13 شخصاً وجرح أكثر من 60 آخرين». المعارك، التي اندلعت في المخيم منذ مساء السبت 29 تموز الماضي وحتى مساء 3 آب الجاري، أدّت إلى تدمير الكثير من منازل اللاجئين وممتلكاتهم.
«نكبة مرة أخرى»
«أنا أعيش النكبة مرة أخرى!» قالت الحاجة فتحية خاطر (81 عاماً)، تعبيراً عن حالة النزوح من بيتها الذي اضطرت إلى تركه وقد تدمّر بسبب المعارك. بعض أهالي حي الطوارئ أيضاً رووا كيف غادروا منازلهم تحت الرصاص والقذائف.
محمد الخطيب، الذي كان له الحصة الأكبر من الخسائر، يقف قرب بيته ومحله، بعد أن احترقا، ويقول: «الفاجعة كبيرة، لا أعرف من أين أبدأ بمعاينة الخسائر، كنت أملك سوبر ماركت أعيش منها وأولادي الأربعة، أمّا الآن خسرت كل شيء، لم يعد لدي شيء».
مثل محمد، حكاية مريم ناصر التي تحدّثت بحسرة عن بيتها الذي تدمّر بالكامل تقريباً، وكأن إعصاراً قد ضربه: «بدايةً لم أتعرّف إلى بيتي، أكوام من الإسمنت والأسلاك الكهربائية وقطع من الجدران، هذا كل ما تبقى من بيتي. لم يتركوا لي شيئاً للذكرى حتى، هذا البيت الذي استغرق من عمرنا 5 سنوات حتى بنيناه أنا وزوجي، لم يعد موجوداً».
كذلك، أحمد يوسف، لم يعد بيته موجوداً، كان عبارة عن أربعة طوابق، معظمها لم تعد صالحة للسكن، تحتاج إلى تصليحات كثيرة ليس لدى يوسف الأموال اللازمة لها.
(علي حشيشو)

بيت العروس
كانت مريانا الخطيب (اسم مستعار) تستعد لزفافها في 8 آب الجاري. لم تتزوج مريانا، سيتأخر انتقالها إلى بيت زوجها. وُجدت الفتاة العشرينية واقفة متحسرة أمام المنزل الذي كان يفترض أن يكون «عش الزوجية» قرب حي الطوارئ. البيت احترق وتدمّر جزئياً. وضعت مريانا «جهاز» العرس فيه، ورتّبته قبل يومين فقط من بدء المعركة: «إنها الحرب، لم تُبقِ لي شيئاً، كنت قبل يومين هنا مع خطيبي نرتب منزل الزوجية استعداداً لزفافنا. عملت أنا وخطيبي حتى استطعنا تأمين مستلزمات البيت، والآن أتت النيران، وتحول تعب السنين إلى كومة رماد». تضيف: «عندما علمت بامتداد المعركة إلى حي الطوارىء، هرعت مسرعة إلى بيتي لإخراج ما أمكن من جهازي، لكن أمي منعتني. حالة من الصدمة والذهول سيطرت علينا عندما علمنا أن فرحتي تحوّلت إلى ركام مشتعل. حلمنا بأن يجمعنا بيت واحد، لكن قذيفة من أحد الأطراف اغتالت فرحنا وحلمنا».

خسائر مادية... ونفسية
عاد بعض تجّار حي حطين إلى «الصفر» تقريباً، فقد خسروا محالهم التجارية وبضاءعهم، وبعضهم بات الآن ينتظر التعويضات. مصطفى خطاب وإخوته، كبقية الباعة، كانوا يبيعون الأدوات الكهربائية. التهمت النيران كل شيء. مثلهم عمران دحابرة، يقول: «أنا لا أملك مصدر رزق آخر، وخسارتي تفوق الـ 100 ألف دولار».
لم تقتصر الخسائر على الماديّات، فهناك أضرار نفسية كبيرة وقعت على الجميع، الصغار والكبار. وعمّا قريب سيبدأ فصل الشتاء، وستفتتح المدارس، وهناك عائلات ستبقى فعلياً بلا مأوى لائق وإنساني، وبعضها عاد إلى المخيم ولم يجد بيته صالحاً للسكن، فاضطر إلى الخروج مجدداً والسكن عند الأقارب أو في المساجد. الجميع ينتظرون أمرين: أن لا تتجّد المعارك، وأن تأتي التعويضات.