رغم الرعب الذي تركه الزلزال الأول الذي ضرب سوريا وتركيا، وشعر به ساكنو لبنان، إلا أن الخوف سيطر على المشهد، بعد بضعة أيام مع توالي الهزات الارتدادية، وبعد الهزة التي ضربت لبنان، وكان مركزها الأراضي اللبنانية، والتي شعر بها معظم السّكان وبدأت الأخبار الصحيحة منها والمفبركة بالانتشار كالنار في الهشيم.هذه الأخبار تسرّبت إلى أزقة المخيمات الفلسطينية في لبنان. وتضاعف الخوف مع تداول بعض التصريحات التي تعود إلى اختصاصيين يعبّرون عن مدى حساسية الوضع، واحتمالية وقوع زلزال آخر في لبنان نتيجة وجود فالق «اليمونة». هذا الفالق الذي كبر أهالي مخيم «ويفل» الجليل وهم يسمعون عنه، والطفل فيهم تربى على معلومة أن سلسلتَي الجبال في لبنان، في الأصل هما جبل واحد أدى زلزال إلى انشقاقهما.

هرب من الموت
تمسك الطفلة ميرا قطتها وتحملها معها أينما ذهبت في المخيم، بعدما علمت بأن القطط تشعر بالزلازل قبل البشر. لا أمان في المخيمات. يقرأ أبو سامر، الذي يملك دكاناً في مخيم شاتيلا، الإرشادات التي وُزّعت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويضحك ساخراً: «نحن هون جوا وبرا ذات الشي، بالشارع كأنك قاعد جوا الدار». هذه الإرشادات تقول، إن الخروج من المنزل ممكن أن يحمي الأشخاص في حال الزلازل، وتدمير المنازل، ويجب الخروج إلى الشوارع الواسعة التي لا تحيطها أبنية، وهذا المشهد يعدّ مستحيلاً في أيٍّ من مخيمات لبنان، حيث توجد أزقة بالكاد يمكنك أن تمر بمفردك بها. رغم هذا الضيق، إلا أن أهالي مخيم البداوي وجدوا طريقهم إلى الهرب نحو ملعب المخيم، حيث خرجوا ملتحفين البطانيات.
المخيمات هي أضعف البقع وأكثر المناطق هشاشة على الأراضي اللبنانية، مع كثافة سكانية كبيرة مقارنة بالمناطق الأخرى، نتيجة عدم توفر مواد البناء منذ سنوات


المخيم... المنطقة الأهش
لا مفرّ من الموت هنا إن أتى. فالمخيمات هي أضعف البقع وأكثر المناطق هشاشة على الأراضي اللبنانية، مع كثافة سكانية كبيرة مقارنة بالمناطق الأخرى، نتيجة عدم توفر مواد البناء منذ سنوات في المخيمات، ما يجعل عملية البناء ضعيفة وغير مجهزة لتحمّل الزلازل. بعض الأبنية في المخيمات، بحسب عامل البناء محمود كريّم، مبنية من دون أعمدة أو دعامات، وهي على عدة طوابق. وقد تضرّر العشرات منها في مخيم برج البراجنة بحسب أهالي المخيم. وأصبحت هذه البيوت، أول من يخرج سكّانها عند سماع خبر الهزّات. وفي مخيم البداوي، يظهر جليّاً تضرر أحد المباني الذي كان يعاني من تصدّعات سابقة.
بلد على خط زلزال، لم يستفق بعد على احتمالية الكارثة التي من الممكن أن تحل بساكنيه، فكلّ الاحتمالات واردة من زالزال أو ربما «تسونامي». فما هي خطة المخيمات في بلد لا يملك خطة لنفسه في مواجهة الكوارث؟
يرى مسؤول وحدة التدريب في الدفاع المدني الفلسطيني في مخيم برج البراجنة باسم نصّار، أن فريق الدفاع المدني على جهوزية كافية من حيث التدريب، إذ تلقى العديد من الدورات على الكوارث الضخمة، إلا أنه غير مؤهل من الناحية العملية، بحال ضرب لبنان زلزال مدمّر، فالمعدات التي يمتلكها لا تتعدّى تلك التي تحمل باليد، أي لا وجود لجرافات أو حاملات أثقال أو غيرها من المركبات المهمة في عملية رفع الأنقاض. وبحسب نصّار، «في حال وقعت الواقعة، الدفاع المدني في المخيم لا يملك سوى سيارة واحدة للإطفاء وسيارة أخرى للإسعاف».

مساعدات بـ«اللحم الحي»
رغم كل ما يعانيه المخيم من ضغف في الإمكانات، إلا أن أنقاض سوريا حطّت على أكتاف الشباب في المخيم، إذ سارع الدفاع المدني الفلسطيني إلى الطلب الرسمي من السفارة السورية لدى لبنان التوجه إلى سوريا، وتقديم المساعدة هناك، جرّاء الزلزال. ويكاد لا يخلو رقم هاتف للاجئ فلسطيني في لبنان، من عرض رسالة تتضمن جمع التبرعات للضحايا والمتضررين في سوريا. توزّعت حملات التبرع بين منظمة وفردية، قام بها الأئمة في المساجد وأصحاب الجمعيات والتجمعات الشبابية الثقافية، وصولاً إلى المبادرات الفردية، من توفير مال وألبسة. غرقت المخيمات بألبسة، ليست فائضة كما يعتقد البعض، هناك من خلع ثيابه ليرسلها إلى المتضررين من الزلزال. هو شعور المهجّرين من أرضهم عبر السنين بمن يشاركهم الشعور نفسه اليوم جرّاء الزلزال.