على أيّ حال، كان خطاب سعيد، المرتكز على مبدأ سيادة القرار الوطني، ليشكّل محلّ تقدير، لو أن الحكومة التي عيّنها قبل أكثر من 6 أشهر قد قدّمت حلولاً أو مشاريع حلول على الأقلّ للأزمات التي تعيشها البلاد. لكن ما يفعله الرئيس عملياً هو جعل مهمّة حكومة نجلاء بودن، المتمثّلة في إيجاد مصادر لتعزيز الاقتصاد، أصعب ممّا كان متوقّعاً. صحيح أن تلك الأزمات لا تبرّر بيع القرار الوطني مقابل القروض، ولكن الواقعية تحتّم الالتزام بحدّ دبلوماسي يحفظ ماء وجه وزير المالية خلال مفاوضاته مع الجهات المانحة. يُضاف إلى ما تَقدّم أن سعيد لا يَعِد بالقطْع مع منظومة الاقتراض الدولية، التي شكّلت منذ إنشائها الذراع المالية للتدخّل في البلدان النامية وفرض الوصاية عليها، كما لا يُظهر أيّاً من بوادر الطرح الوطني الحمائي ضدّها، بل جلّ ما يقوم به ردّات فعل انطباعية على منتقِديه، ومحاولة إيهام الجمهور بأن الكرامة الوطنية استُردّت في وجه المستعمرين القُدامى والجدد.
حدّد «الاتحاد العام التونسي للشغل» 16 حزيران موعداً للإضراب العام
في المقابل، تُواصل حركة «النهضة» سعيها لاقتسام الفضاء العام مع سعيد، مُعوِّلة على «جبهة الخلاص الوطني» التي أُعلن تشكيلها رسمياً قبل أيام، علماً أن الأخيرة تُعدّ بمثابة إعادة إنتاج لمبادرة «مواطنون ضدّ الانقلاب» التي أخفقت في تحشيد الشارع لصالحها. تبرّع أحمد نجيب الشابي، الباحث عن الزعامة، للتربُّع على عرش الجبهة، معتبراً، خلال مؤتمر إعلان التأسيس، أن «سعيد أخطر ما مرّ على البلاد من دون منازع»، وأن «على الجميع معارضته والعمل على إزاحته». بدا الشابي، بذلك، ملَكياً أكثر من الملك نفسه، إذ إنه حتى زعيم «النهضة»، راشد الغنوشي، قال في حوار صحافي إن حركته لا تنكر مسؤوليّتها عن تردّي الوضع في البلاد، و«إن كانت لا تتحمّل وزره وحدها»، مبدياً استعداده للتفاوض حول مغادرة «النهضة» المشهد السياسي، «إن كان ذلك سيمثّل جزءاً من الحلّ». ولكنّ الشابي رأى أن ما مرّت به تونس، خلال عشرية كاملة، «كان ديموقراطية حقيقية»، مناقِضاً بهذا نفسه، وهو الذي انخرط في صفوف المعارضة قبيل انتفاضة 2011.
في خضمّ ذلك، تَبرز دعوة «الاتحاد العام التونسي للشغل» إلى إضراب عام في 16 حزيران الحالي، سيشكّل إذا ما نُفّذ حدثاً نقابياً وسياسياً فارقاً، قد يكون له تأثيره على المسار الذي يسلكه سعيد، كونه التحدّي الأكثر خطورة الذي يواجهه الرئيس منذ 25 تموز الماضي. وإن كانت مطالب الإضراب منحصرة بمنع خصخصة المؤسّسات الاقتصادية الحكومية، والتي يطلب «صندوق النقد الدولي» الموافقة عليها كجزء من الإصلاح مقابل التمويل، إضافة إلى التحكّم بالتضخّم المتسارع في البلاد، فإن المراقبين يقرأون مطلباً آخر في ما بين سطور الخطوة، عنوانه تذكير سعيد بأن خصومته مع «الاتحاد» لن تؤدي إلّا إلى اهتزاز حكمه.