الأوضاع في سوريا تتجه لتكون أكثر تعقيداً من ناحية إسرائيل. دخول العامل الروسي العسكري المباشر، وبالحجم المقدّر أن يصل اليه، من شأنه التأثير سلباً على خيارات تل أبيب وإمكاناتها تجاه الساحة السورية وتموضع أعدائها فيها.
زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لموسكو، التي من المزمع إجراؤها اليوم، تأتي في سياق معالجة هذا التعقيد. الزيارة المنسقة مسبقاً مع الولايات المتحدة، جاءت بطبيعة الحال بعد تقديرات وضع عسكرية وسياسية وعلى أعلى المستويات، خلصت الى ضرورة الاتصال بالروس، ومحاولة إيجاد «قواعد تنسيق» من نوع ما، منعاً لوقوع الأسوأ بين الجانبين، وتحديداً في مرحلة إنهاء الجاهزية والاستعداد الروسيين، للتدخل العسكري في سوريا.
إلا أنّ أسباب القلق الاسرائيلي تتجاوز المعلن عنه، وهي لا تقتصر فقط على السلاح «الكاسر للتوازن» المتدفق بكثرة في الآونة الاخيرة الى سوريا، كما تقول تل أبيب، وإمكانات وصول جزء منه الى حزب الله، أو على مسألة احتكاك عسكري مفترض غير مقصود مع الروس، بل تتصل بالحرب السورية نفسها ومصيرها والتحول فيها، باتجاه تثبيت وتعزيز موقع أعدائها.
التنسيق والتعاون المباشر والميداني، بين الروس والايرانيين والجيش السوري وحزب الله، كما تقدّر تل أبيب للآتي القريب من الايام، مع الامكانات العسكرية والتقنية الهائلة التي قد تتوافر لأعدائها، يجعلان من السلاح الكاسر للتوازن وعبوره الى لبنان مجرد تفصيل صغير لا أكثر، رغم الاهمية الكبيرة التي يوليها الاسرائيليون لهذا التفصيل.
إلا أن تل أبيب تدرك جيداً أنّ التدخل العسكري الروسي في سوريا هو أكبر بكثير من قدرتها على مواجهته، خاصة أن الحليف الاميركي الاكبر يبدي «تفهماً» من نوع ما للخطوة الروسية، رغم الخلاف في المقاصد النهائية لهذا التدخل. ومع فقدان واشنطن للحماسة والرغبة في مواجهة موسكو، بل وربما أيضاً مجاراتها، فلا يبقى أمام إسرائيل إلا التعايش مع الواقع الجديد، ومحاولة الحدّ من تداعياته السلبية على أمنها.
جل ما يمكن لتل أبيب أن تقوم به هو تلمس تفاهم ما مع موسكو، يسمح لها بالمحافظة على الحد الادنى من مصالحها في سوريا، وفي أقل تقدير، محاولة فتح «قناة اتصال» عسكرية واستخبارية مباشرة، وإن أمكن «قواعد تنسيق» عسكرية، تمكّنها من المحافظة على خطوطها الحمراء تجاه الساحة السورية، رغم أن التنسيق العسكري مع الروس، كما تطلب تل أبيب، قد يكون متعذراً ودونه عقبات موضوعية، ربطاً بالتنسيق المفترض والأكبر للمرحلة المقبلة بين الروس وأعداء إسرائيل: إيران وحزب الله، والجيش السوري.
واذا كانت إسرائيل ستحصل على شيء ما، أقله وعود من الجانب الروسي بأن لا ينزلق سلاح متطور الى حزب الله، إلا أنها على الصعيد الاستراتيجي، أي بشأن ما يتعلق بالحرب السورية ومصيرها، لا يمكنها أن تستحصل من موسكو على شيء، وتكتفي بتوصيف الواقع وتقدير مآلاته، بناءً على ما المستجدات، والواقع الجديد في سوريا.
هل سيتمكن نتنياهو من تحقيق أهداف الزيارة؟ نعم، ولكن. نعم سيسمع من بوتين، ومن مساعديه، ما يريد أن يسمعه منهم: سلة تطمينات ووعود، بما يشمل الاعراب عن الحرص على أن لا ينزلق سلاح نوعي فتاك الى حزب الله، مع الوعد بالبحث عن آلية تنسيق ما، في المجال الجوي السوري، تمنع الاحتكاك بين الجانبين. أما الـ«لكن»، فتدركها تل أبيب جيداً، ومسبقاً. فأسباب قلق الجيش الاسرائيلي بشأن الحد من قدرته على المناورة وشن هجمات ضد أعدائه في سوريا، ليست لأنه لا يوجد تنسيق مع الروس في المجال الجوي السوري، المشكلة تتمثل في الوجود العسكري الروسي نفسه كما هو مخطط، وفي الوسائل القتالية والتقنية المرافقة له، سواء حصل التنسيق أو لم يحصل. وتل أبيب تدرك أيضاً أن التنسيق العسكري مع الروس مطلوب لذاته كي يمنع الاحتكاك غير المرغوب فيه، لكنه يؤدي في ذاته الى ما من شأنه إفشال أي نشاط عسكري إسرائيلي، خاصة أن التنسيق يكشف النيات العدائية مسبقاً أمام الجيش الروسي، الذي يفترض أن يحارب جنباً الى جنب، مع نفس الجهات المستهدفة من الانشطة الاسرائيلية العدائية: الجيش السوري وحزب الله.
يفترض بإسرائيل من الآن ولاحقاً، في حال مضيّ الروس قدماً في خططتهم العسكرية في سوريا، أن تكون أكثر حذراً، والى حد كبير وغير مسبوق، في اختيار أهدافها وأسلوب عملها والحرص المسبق والشديد على امتلاك صورة استخبارية ممتازة قبل أن تقوم بأي عمل عدائي فوق الاراضي السورية، مع إدراكها أيضاً أن المناطق التي سينتشر فيها الجيش الروسي ومساحة نشاطه العسكري، باتت من الآن شبه محصّنة أمام الضربات، مع تنسيق أو بلا تنسيق.