طهران | استقطبت النتائج التي تمخّضت عنها الانتخابات الرئاسية الإيرانية، الجمعة، الكثير من الاهتمام، مثيرة في الوقت نفسه العديد من التساؤلات، ولا سيما إزاء نسبة المشاركة المتدنية فيها، على رغم وجود مرشّح للإصلاحيين في قائمة خائضيها، وكونها اتّسمت بطابع تنافسي. وتضاف إلى تلك التساؤلات، أخرى عن الاسم الذي سيكون الأوفر حظّاً للفوز بالرئاسة (مسعود بزشكيان وسعيد جليلي) في جولة الإعادة، نظراً إلى تقارب أصوات المرشّحَين. وأفادت النتائج النهائية التي أعلنتها وزارة الداخلية الإيرانية، بأن بزشكيان، المدعوم من الإصلاحيين، نال 10 ملايين و415 ألفاً و185 صوتاً، ليحلّ في المركز الأول. وحلّ في المركز الثاني، السياسي الأصولي، جليلي، بفارق نحو مليون صوت، بعدما حصل على 9 ملايين و473 ألفاً و298 صوتاً، فيما جاء في المركز الثالث محمد باقر قاليباف، الذي لم يَظهر بمستوى التوقعات، إذ حاز أصواتاً أقلّ بكثير ممّا توقّعته استطلاعات الرأي (3 ملايين و383 ألفاً و340 صوتاً). أمّا مصطفى بور محمدي، فحصل على 206 آلاف و397 صوتاً فقط، وحلّ بذلك في المركز الرابع. وبما أن أيّاً من المرشّحين لم يفز بالأغلبية المطلقة للأصوات (النصف زائداً واحداً)، فقد انتقلت الانتخابات إلى جولة الإعادة التي ستُجرى يوم الجمعة في الخامس من تموز، بين المرشّحَين اللذين نالا أكثرية الأصوات، أي بزشكيان وجليلي، علماً أنه من المقرّر أن تُقام مناظرتان تلفزيونيتان، يومَي الإثنين والثلاثاء، علّهما تسهمان في تسخين التنافس الانتخابي بينهما.ومن أصل 61 مليوناً و452 ألفاً و321 شخصاً دُعوا إلى التصويت، أدلى 24 مليوناً و535 ألفاً و185 شخصاً بأصواتهم في الجولة الأولى، أي بنسبة مشاركة بلغت 40%، وهي الأدنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية، في حين كان يُتوقّع أن يسهم تأييد أهلية المرشّح الإصلاحي، والطابع التنافسي للانتخابات، في رفع نسبة المشاركة، على الأقلّ مقارنة بالدورة الرئاسية السابقة التي جرت عام 2021، حين بلغت النسبة 48%.

التركيبة المعقّدة لأصوات المرشحين
ترى الناشطة والمحلّلة السياسية، عفيفة عابدي، في حديث إلى "الأخبار"، أن الأصوات التي ذهبت إلى بزشكيان وجليلي، لا يمكن ربطها بقاعدتهما السياسية فقط، إذ إن "جزءاً من الذين صوّتوا لمصلحة جليلي كانوا أصوليين تقليديين"، غير أن الأجنحة السياسية الأخرى، بمن فيها داعمو الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، والجناح المتطرّف للأصوليين والمعروف بـ"جبهة الصمود (بايداري)"، دعمت جليلي أيضاً. وفي الوقت نفسه، فإن الجماهير التي تعيش في الضواحي وتعتنق رؤية تقليدية ودينية ولديها مطالب اقتصادية، صوّتت لمصلحته أيضاً. وفي المقابل، ثمة مروحة متنوعة صوّتت لبزشكيان، بما في ذلك جزء من الإصلاحيين، والمواطنون المتذمّرون من الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي القائم، وأيضاً الأقليات العرقية وأهالي المدن المركزية. وتتوقّع عابدي أن تؤدّي جولة الإعادة في ظلّ تحفيز الأصوات، إلى زيادة المشاركة العامة، إذ "على الرغم من وجود إحباط سياسي من نتيجة الجولة الأولى للانتخابات، غير أن الطرفين قادران من خلال المشاركة في المناظرات التلفزيونية أو الحضور في مواقع التواصل الاجتماعي والمهرجانات والتجمعات الانتخابية في المدن، على المساهمة في زيادة أصواتهم وزيادة المشاركة الشعبية العامة". ورداً على سؤال حول سبب عدم إسهام مشاركة الإصلاحيين في تعزيز المشاركة الشعبية، بينما فعلت ذلك في دورات سابقة، تلفت إلى أن "ابتعاد الإصلاحيين عن الانتخابات، خلال العقدَين الأخيرَين، أدى إلى خفوت بريق الخطاب الإصلاحي، وبدا وكأن الغبار قد غطّاه وبات غير معروف وعديم القدرة. وقد استخدم الإصلاحيون، خلال الدورات الأخيرة من الانتخابات، ثنائية الاتفاق من عدمه مع الغرب لنيل أصوات الجماهير أكثر من طرحهم المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي هذه الدورة من الانتخابات، أسفر النشاط المباغت لوزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، عن تحريك الأصوات وبالتالي زيادة المشاركة العامة".
الأصوات التي ذهبت إلى بزشكيان وجليلي، لا يمكن ربطها بقاعدتهما السياسية فقط


من هو الأوفر حظّاً بالفوز؟
من جهته، يعرب رئيس تحرير صحيفة "طهران تايمز" الناطقة بالإنكليزية، محمد صرفي، في حديثه إلى "الأخبار"، عن اعتقاده بأن المشاركة المتدنية في الانتخابات لم تكن "عرضية"، إنما جاءت استمراراً للانتخابات الثلاثة السابقة التي شهدت نسبة مشاركة تقلّ عن 50%، وثمة أسباب مختلفة تقف وراء ذلك. ويرى صرفي أن "ثنائية الإصلاحي والأصولي" لم تَعُد قادرة على تقديم صورة دقيقة عن المشهد السياسي في إيران، مضيفاً أن "المجتمع الإيراني أصبح، في العقدين الأخيرَين، تعدّدياً وديناميكيّاً ومعقّداً، بحيث إن التيارات السياسية السائدة (الأصولي والإصلاحي) لم تستطع السير جنباً إلى جنب الشعب، وأن تتفهّمه وتمثّله، وهذا الأمر أثّر سلباً على نسبة المشاركة". ويعتبر استمرار المشاكل الاقتصادية في إيران، أحد الأسباب التي كانت وراء تراجع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، إذ يقول إن "المشكلات الاقتصادية في أيّ بلد تتناسب عكسياً مع المشاركة السياسية. وعندما لا تشعر الجماهير بنتائج ملموسة لإجراءات الحكومات في المجال الاقتصادي في حياتها، فإنها ستقلّص مشاركتها في المجال السياسي. ومن هنا، أظنّ أن المهمّة الأولى للحكومة لرفع منسوب المشاركة السياسية، تتمثّل في تحسين الوضع المعيشي للناس، مثل خفض التضخم والتوفير الأسهل للسكن وزيادة فرص العمل وأمور من هذا القبيل".
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت نسبة المشاركة الشعبية في جولة الإعادة ستختلف عن مثيلتها في الجولة الأولى، يلفت صرفي إلى أنه "بشكل عام، فإن جولات الإعادة لمعظم الانتخابات في كل مكان في العالم تتّسم عادةً بنسبة مشاركة أدنى من الجولة الأولى؛ وهذا العامل، يرفد معسكر جليلي، لأن أنصاره يبدون أكثر حماسة وزخماً، وسيكونون أكثر اندفاعاً من معسكر بزشكيان". وإلى من ستذهب أصوات قاليباف؟ يجيب: "في عدّة اتجاهات؛ فسيصوّت جزء من أنصاره لمصلحة جليلي لأن قاليباف دعمه شخصياً، والجزء الآخر سيصوّت لبزشكيان، وجزء إمّا بورقة بيضاء أو أنهم لن يشاركوا أصلاً. لكن غالبية أصواته ستذهب بلا ريب إلى جليلي".
وبخصوص وضع بزشكيان في جولة الإعادة، يبيّن صرفي أن الأخير "يمتلك في هذه الجولة، ورقتين رابحتين رئيسيتين: الأولى أنه حصل في الجولة الأولى على عدد أكبر من الأصوات وأن الكثير من الناس يفضّلون أن يقفوا في النهاية إلى الجانب الفائز. لكن الأهم من ذلك هو قدرات بزشكيان على بلورة قطبية ثنائية شديدة وإثارة المخاوف من عواقب مجيء جليلي". ويضيف: "إذا تمكّن بزشكيان وحملته الانتخابية من تحقيق هذين الأمرين، فليس مستبعداً أن يتمكّنا من تحفيز حتى بعض الذين لم يشاركوا في الجولة الأولى، على الانخراط في جولة الإعادة ووضع أصواتهم لمصلحته في صناديق الاقتراع".