أثارت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، وصعود أحزاب اليمين في مختلف بلدان الاتحاد، مخاوف من موجات جديدة من الاضطرابات والانقلابات على السياسات المتّبعة حالياً من جانب بروكسل حيال عددٍ من القضايا، وفي مقدّمتها الحرب في أوكرانيا، والعلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة. وتُعدّ تركيا من أبرز الدول التي يمكن أن تتأثّر بفوز اليمين الأوروبي؛ إذ يرى مسؤول العلاقات الخارجية في «حزب العدالة والتنمية»، ظفر سيراقايا، أن صعود اليمين ليس على صلة فقط بمسألة الهجرة واللاجئين، بل يتعلّق أيضاً بوجود دول معادية لفكرة الاتحاد. وفي الإطار نفسه، يعلّق مسؤول السياسة الخارجية في «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، إيلهان أوزغيل، على الحدث قائلاً: «يجب ألّا تَنظر تركيا إلى فوز اليمين على أنه نتاج لمشكلة اللاجئين، بل إن أحد أهمّ أسبابه هو التفاوت في توزيع الثروة بين الفئات الاجتماعية. فالفئات الشابة ترى أن مطالبها وتوقّعاتها لا تجد الاهتمام الملائم لدى النخب الحاكمة، إذ تصاعدت نسبة الأصوات التي اقترعت لليمين في الفئة العمرية من 16 إلى 34 عاماً». ووفقاً لأوزغيل، فإن «صعود اليمين كان دائماً يعني إغلاق أبواب انضمام تركيا إلى الاتحاد»، فضلاً عن كون هذا التيّار مؤيّداً لخيار «تحويل تركيا إلى مستودع للاجئين».أمّا زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، وبوصفه ممثّل اليمين القوميّ المتطرّف في تركيا، فيرى، من جانبه، أن «ما حدث في أوروبا هو دعم لسياسات إغلاق الأبواب أمام اللاجئين»، داعياً بلاده إلى المبادرة إلى «إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بصورة طوعية وآمنة وعلى مراحل»، وأن «تمنع الهجرة غير الشرعية وتُنهي اتفاقية اللاجئين مع أوروبا لعام 2013». وفي هذا الجانب أيضاً، يعلّق النائب عن «الحزب الجيّد»، كورشاد زورلو، على صعود اليمين، باعتباره إياه «انعكاساً لإفلاس الدولة الاجتماعية». أمّا مشكلة اللاجئين، بحسب ما يضيف، فهي «حاضرة دائماً، والأحزاب التي انتصرت هي التي تريد ترحيل اللاجئين إلى بلادهم. وعلى تركيا أن تكون جاهزة لمثل هذا الاحتمال». وهو يدعو أيضاً إلى إلغاء اتفاقية اللاجئين، بعدما «حُوّلت تركيا إلى أكبر بلد لاجئين في العالم مع تجاوُز أعدادهم العشرة ملايين نسمة».
وفي السياق نفسه، يرى الكاتب المعروف، مراد يتكين، أن نتائج الانتخابات الأوروبية «تصبّ في مصلحة وفي غير مصلحة تركيا»، إذ من شأنها أن «تؤجّج العداء والكراهية للأجانب وفي قلبهم اللاجئون». وفي المقابل، فإن «فوز اليمين المتطرّف سيزيد من التنافسية بين الدول الأوروبية على الصعيد التجاري، وسيفتح الباب أمام تركيا في مناطق روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى للاستفادة من فرص جديدة، وسيكون ذلك في مصلحتها. كذلك، فإن التشدّد الديني المحتمل في أوروبا، سيعزّز جبهة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في تحالفه منذ عام 2017، مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرّف».
«ما حدث في أوروبا هو دعم لسياسات إغلاق الأبواب أمام اللاجئين»


ومن جهته، يتساءل الكاتب المعروف، محمد متينير، في صحيفة «يني شفق» الموالية، عمّا إذا كان للنتائج تأثير على تركيا، ليجيب بأن «صعود اليمين المتطرّف يمثّل إشارة إلى موجة تهديدات خطيرة تؤثّر على تركيا. وعلامة على تهديد له بعد عالمي». ويقول إن «الجميع يعرف الظروف التي صعد فيها هتلر في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى والنتائج الهدّامة لسياساته. لا يمكن القول إن الظروف هي عينها، لكن الأحاسيس والدوافع هي نفسها، أي انتشار فيروس معاداة الأجانب والنزعة العرقية، ومنها معاداة الإسلام، وتركيا في رأس الدول المستهدفة من كراهية الأجانب». ويعدّد متينير موضوعات الخطر المحتملة، والتي تأتي في مقدّمتها قضية اللاجئين، معتبراً أن «فتح الباب أمام اللاجئين على مصراعيه ليس هو الحلّ؛ فالتغيير الديموغرافي وارتفاع معدّلات الجريمة وغيرهما، يمكن أن يؤججا كراهية الأجانب، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار الاجتماعي (...) إذا لم تُحلّ هذه القضية، وفقاً لمعايير إسلامية وإنسانية، فيمكن أن تتحوّل إلى مجال رخو داخل المجتمع التركي. وسيكون ذلك سبباً لصعود اليمين القومي المتطرّف في تركيا، ومعاداة الأجانب علناً. أمّا الأحزاب التي تقول إنها ستعتني باللاجئين وتقدّم لهم المساعدات، فلن يكون لها نصيب في صناديق الاقتراع».
ويشير متينير أيضاً إلى شمال سوريا، ومسألة النزعة الكردية، وهو ما يشكّل، برأيه، «أخطر خطوط الصدع في تركيا»، ذلك أن «النزعات القومية تغذّي بعضها. ولذا، من المهمّ معالجة النزعات العرقية بحساسيّة عالية، وإلّا فإنّنا سندفع بأيدينا بلادنا إلى التهلكة والدمار». ويضيف، في هذا الجانب، أن «بناء طرف وتدمير طرف آخر، يحمل مخاطر وجودية على أمّتنا»، داعياً «العدالة والتنمية» إلى «التوقّف عن النظر إلى المسألة الكردية على أنها فقط مسألة كسر حزب العمال الكردستاني. فهذا الحزب مجرّد أداة كما أنه لم يَعُد نسخة من الحزب القديم... يجب محاربة الإرهاب، لكن أيضاً إزالة الظروف التي تخلق سوسيولوجيا الإرهاب. فمهما نجحت في الحرب ضدّ الإرهاب، إذا لم تربح الناس فإنك لا تكون فعلت شيئاً». وأخيراً، يقول: «إذا لم يقم الحزب الحاكم بخطوات تبدّد المخاوف، فإن الفراغ الذي سينشأ، ستملؤه قوى اليمين المتطرّف. لذا، على زعامة إردوغان أن تجعل العدالة والتنمية حزباً جديداً، وأن تُظهر أنه الأمل السياسي الوحيد للأمة!».
ومن جهة أخرى، تلفت صحيفة «جمهورييات» إلى الانعكاسات السلبية المحتملة لفوز اليمين وتراجع سعر اليورو على الاقتصاد التركي، ولا سيما أن «الاتحاد الأوروبي يحتلّ المركز الأول في صادرات تركيا، وهو سوق الاستيراد الأكبر لتركيا، والأخيرة تصدّر باليورو وتستورد بالدولار». من هنا، فإن «تراجع سعر اليورو سيؤثر سلباً على مداخيل المصدّرين الأتراك. ونظراً إلى ارتباط أسعار الاستيراد من أوروبا بالدولار، فإن ارتفاع سعره مقابل اليورو، سيزيد من تكاليف الاستيراد، وبالتالي من نسبة التضخم. كما سيرفع تكاليف سداد الديون الخارجية، وسيضغط على الميزانية».