سلّط الحكم القضائي بإدانة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في قضية دفعه مبلغاً ماليّاً لممثّلة الأفلام الإباحية، ستورمي دانييلز، للتستُّر على علاقة عاطفية جمعتهما في الماضي، الضوء على عدم رضى قطاع واسع من الأميركيين عن كلا المرشحَين للانتخابات الرئاسية، وفق ما باتت تظهره استطلاعات الرأي. وإذا كان الديموقراطيون «يكافحون» من أجل إقناع جمهورهم، بشخص جو بايدن وسياساته، فإن حال مرشّح الجمهوريين، صاحب الشعبية الواسعة في أوساط محازبيه المحافظين، ليس أفضل. وعدّ مراقبون ما تقدّم، مؤشراً إلى نظام سياسي متداعٍ، واستقطاب حزبي، وصل إلى حدّ تشكيك كلا الحزبين في المؤسسة القضائية؛ إذ إن الجمهوريين دأبوا، بعد الحكم القضائي الأخير في حقّ مرشحهم، على اتهام القضاء بأنه مسيّس، في حين أن الديموقراطيين لطالما اشتكوا من محاباة المحكمة العليا لترامب، وذلك عبر إبطاء مسار محاكمته في أكثر من ملف قضائي.
«ماغا» بديلاً لـ»الجمهوري»: الوجه الآخر لتضعضع «الديموقراطية»
مع إعلان إدانة ترامب من قبل مدّعي عام محكمة مانهاتن، بالتهم الموجّهة إليه في «قضية دانييلز»، والمتعلّقة بتزويره سجلّات محاسبية، توالت ردود الفعل من الحزبين. فمن جهته، أصرّ ترامب على كونه «سجيناً سياسياً»، محاولاً تسخير الحدث لدعم حملته الانتخابية، بحيث تمكّن في خلال ساعات قليلة من جمع قرابة 35 مليون دولار في يوم واحد. وبعدها بيوم، خاطب جمهوره من أمام «برج ترامب» في مانهاتن (نيويورك)، قائلاً إن محاكمته «غير منصفة»، متعهّداً بالطعن في حكم الإدانة الصادر ضدّه، فور صدور الحكم النهائي بحلول 11 تموز المقبل، أي قبل أيام من ترشيحه رسميّاً في «المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري» الذي يُعقد في ميلووكي (ويسكونسن). كما اتهم ترامب، خصمه بايدن و»عصابته»، بأنهم «مرضى» و»فاشيون»، معتبراً أن «الحكم الحقيقي سيصدر عن الشعب الأميركي في الخامس من تشرين الثاني المقبل».
وكانت النائبة عن ولاية نيويورك، رئيسة مؤتمر الحزب الجمهوري في مجلس النواب إليز ستيفانيك، من بين أوائل أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين أدلوا بتعليقات مساندة لترامب، أسوة بالنائب عن ولاية أوهايو جيم جوردن، والنائبة عن ولاية ساوث كارولينا نانسي ميس، حين ذكرت أن «الحكم الصادر يُظهر كمّ الفساد والتزوير في النظام القضائي الأميركي المسخّر ضدّ خصوم (البيت الأبيض)، والدرجة التي وصل إليها هذا النظام على مستوى انعدام قيم الانتماء الوطني في عهد الرئيس جو بايدن». وتابعت النائبة الجمهورية التي تُعدّ الأوفر حظاً لتعيينها نائبة للرئيس، بالقول: «منذ البداية، تمّ تكريس القضاء كسلاح ضدّ الرئيس ترامب». والموقف نفسه اتخذه رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، إذ اعتبر أن إدانة ترامب تُعدّ «يوماً مخزياً في التاريخ الأميركي». ولم يخرج موقف السيناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام، عن الخطوط العامة لما ذهب إليه معظم زملائه الجمهوريين، على غرار زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي انتقد ما اعتبره ميولاً «ليبرالية ويسارية» لدى أعضاء هيئة المحلّفين الخاصة الناظرة في قضية ترامب، معتبراً أن المحاكمة «ذات دوافع سياسية غير عادلة».
اتهم ترامب، خصمه بايدن و»عصابته»، بأنهم «مرضى» و«فاشيون»


إزاء ذلك، اعتبرت شبكة «سي إن إن» أن «شروع الجمهوريين في الهجوم المباشر على القاضي والمحكمة التي أصدرت الحكم، يمثّل جهداً غير مألوف من جانب أحد الحزبَين السياسيَّين الرئيسَين للانقلاب على سلامة النظام القانوني والقضائي في البلاد»، مرجّحة أن «تواجه البلاد، الواقعة أصلاً تحت وطأة استقطاب سياسي وثقافي حاد ومرير، فترة صعبة»، خلال الأشهر المقبلة. وعلى رغم تأكيدها أن إدانة ترامب قد تعود بالفائدة على حملة بايدن، أوضحت الشبكة أن «تكتيكات ترامب وقدرته على تشكيل آراء مؤيديه (في صالح سرديته)، بدعم من الآلة الإعلامية المحافظة في الولايات المتحدة، ستعني أن النظام القضائي سيتعرّض لحملة مشابهة لتلك التي سبق أن تعرّض لها النظام الانتخابي من قِبَل الملايين من مؤيّدي الرئيس السابق، بغية الطعن في شرعيته».
وضمن الإطار ذاته، أجرت صحيفة «ذا غارديان» مقارنة بين واقع الحزب الجمهوري اليوم، وواقعه خلال العقود الماضية، منتقدة انجرار معظم قياداته خلف ترامب، وعدم ممانعتهم «حملة التطهير» التي باشر فيها ضد عدد من كوادر الجمهوريين المعارضين لتوجهاته، ومن بينهم الرئيسة السابقة لمؤتمر الحزب في مجلس النواب ليز تشيني، والحاكم السابق لولاية ميريلاند لاري هوغان. واسترجعت الصحيفة البريطانية حقبة أوائل سبعينيات القرن الماضي، مذكّرة بقيام قيادة الحزب بسحب دعمه للرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون - آنذاك - (الذي اضطر للاستقالة لاحقاً)، فور إدانته بعدة تهم، من ضمنها محاولة التستر على معطيات حسّاسة، ضمن ما عُرف بفضيحة «ووترغيت». ووصفت الحزب الجمهوري اليوم بـ»الشجرة المسمومة»، موضحة أن ترامب، الذي تربطه علاقة منافع مشتركة بالعشرات من المتموّلين الكبار، بخاصة أولئك الذين استفادوا من سياساته الضريبية خلال فترة حكمه، ومن أبرزهم إيلون ماسك، وروبرت مردوخ، وآخرون، قام بتلويث جميع فروع الحزب بصورة تامة، على نحو أصبحت معه مبادئه التنظيمية المركزية تتلخّص بـ»ثقافة الإفلات من العقاب، وازدراء سيادة القانون». وبحسب الصحيفة، فإن «الحزب، الذي لا يزال يحمل الاسم نفسه، قد تحوّل فعلياً ليصبح (حزب ترامب ماغا)».

تبعات انتخابية: جمهوريون داعمون لبايدن؟
وفي إطار تحوّل معركة ترامب القضائية إلى عنوان جدلي سياسي، علّق الناطق باسم حملة بايدن الانتخابية، مايكل تايلر، على خطاب ترامب، بالإشارة إلى أن القرار القضائي الأخير يُعدّ «هزيمة» للمرشّح الجمهوري، واصفاً الأخير بالـ»المرتبك واليائس»، وبأنه يشكّل «تهديداً لديموقراطيتنا». وبالنسبة إلى حظوظ الديموقراطيين في الانتخابات، وفرص استفادتهم من محاكمة ترامب، فقد أظهر استطلاع للرأي أن ما نسبته 67% من الناخبين المسجّلين أكدوا أن الحكم بإدانة رئيسهم السابق لن تسهم في تغيير خياراتهم الانتخابية، في حين مال 15% إلى تأكيد أرجحية تصويتهم لترامب حتى في حال تمت إدانته، في إشارة إلى تأثر قطاع من الجمهور الأميركي، سواء من الجمهوريين أو الديموقراطيين والمستقلين، بـ»سردية ترامب» حول المحاكمة. وبحسب الاستطلاع الذي أجرته كل من NPR/PBS NewsHour/Marist poll، قبل أيام من الحكم القضائي الأخير، فإنّ قرابة 25% فقط من قاعدة الناخبين المؤيدين للرئيس، لمّحوا إلى إمكانية تصويتهم لمصلحة المرشح الديموقراطي في حال أُدين زعيمهم أمام القضاء، في حين تمسّكت غالبية المؤيدين للرجل بالتصويت له في مطلق الأحوال.
يتقاطع ذلك، مع استطلاع أجرته Reuters وIpsos بعد صدور الحكم، وبيّن أن واحداً فقط من أصل كل عشرة جمهوريين بدوا متردّدين إزاء التصويت لترامب، على خلفية ما جرى. وأظهر الاستطلاع، تحوُّل ملف محاكمة الرئيس السابق إلى عنوان انقسام سياسي حادّ، ذلك أنّ 89% من الديمقوراطيين يرون أن إدانة ترامب أمام القضاء «تتعلّق في المقام الأول بإنفاذ القوانين بشكل عادل ودعم سيادة القانون»، في حين يعتبرها 87% من الجمهوريين «محاولة ذات دوافع سياسية لمنع ترامب من العودة إلى البيت الأبيض».