انعقد على مدار يومَين، في مركز «هرتسيليا» في جامعة «رايخمان» الإسرائيلية، المؤتمر السنوي الذي يحضره كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في دولة الاحتلال. وإذ بدا الملفّ الإيراني طاغياً على المشهد، فإنّ الحديث في شأنه لم يَخرج عن سياق التهديدات المتكرّرة منذ سنوات، وإنْ مع نبرة أعلى وأوضح هذه المرّة، تبدو مدفوعةً بالحديث الغربي الأخير عن قيام إيران ببناء منشآت نووية محصَّنة ضدّ القنابل الخارقة للتحصينات. أمّا في ما يتّصل بالملفّ الفلسطيني، فسادت أيضاً المقاربة التقليدية القائمة على إدارة الصراع في الضفة الغربية من دون فتح أيّ أفق للتسوية، والمحافظة على «الستاتيكو» القائم في قطاع غزة، فيما بدت لافتةً نصيحة «عقلانية» وجّهها هرتسي هليفي بضرورة ترميم السلطة الفلسطينية وإعادة تمكينها
جرياً على العادة المتّبَعة في إسرائيل، التقى كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين، الحاليين والسابقين، وعدد كبير من الخبراء والكتّاب الأمنيين في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام العبرية، في مؤتمر بحثي دوري في «مركز هرتسيليا متعدّد المجالات» (منبر جامعة رايخمان). المؤتمر الذي يُعدّ مناسبة للمجتمعين لإثبات الذات وإطلاق التهديدات والتمايز عمّن سبق من مسؤولين، يُعدّ أيضاً منبراً معتدّاً به للبعث برسائل طمأنة إلى الجمهور الإسرائيلي، ربطاً بالمتغيّرات الحاصلة في البيئة الاستراتيجية، والتي تتعاظم التهديدات الكامنة فيها، وكذلك لتحذير الأعداء من تجاوز «الخطوط الحمر»، التي تنتقل من مكان إلى آخر في انزياح روتيني مع الوقت، من دون أن يرافقها تحرّك جدّي إسرائيلي - غير مقدور عليه راهناً - لإنهاء التهديدات أو الحدّ منها.
ومن بين من حضروا المؤتمر الذين انعقد يوم الاثنين: وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش أهارون حاليفا، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الاستخبارات غيلا غمالائيل، ورئيس «الموساد» دافيد برنياع، وغيرهم من المسؤولين الأمنيين على اختلاف اختصاصاتهم، فيما غاب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي استعاض عن حضوره بتهديدات خاصّة به أطلقها ضدّ إيران من قاعدة استخبارية إسرائيلية في القدس المحتلة. وكما ورد في الإعلام العبري، فإن المجتمعين في «هرتسيليا»، «تحدّثوا كالعادة عن أنفسهم، وأطلقوا صيحات حزن ويأس من الخطر الإيراني، وتحدّثوا عن احتمال الحرب في مواجهة حزب الله، وفي الوقت نفسه هدّدوا بردّ إسرائيلي»، لكن ماذا عن الأفعال؟ سؤال من ضمن جملة أسئلة أثارها المؤتمر، وبقيت بلا إجابات.
الواقع أنه لا جديد في التهديدات التي تعالت في اليومَين الماضيين، والتي بدت مكرَّرة ممّا يصدر عن تل أبيب منذ سنوات ضدّ البرنامج النووي الإيراني، وضدّ الحضور والنفوذ الإيرانيَّين في الإقليم. وإن كانت نبرة التهديدات أعلى وأوضح هذه المرّة، فمردّ ذلك إلى الرغبة في تعويض الإخفاق الملحوظ في السياسات والرهانات التي اعتمدت عليها إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما في المنطقة، لإنهاء «التهديد الإيراني». ولم يخفِ هنغبي، بعد «حشره في الزاوية» من قِبل إعلاميّي قناة «كان» أمس، أن الانشغال المتزايد بإيران هذا الأسبوع سببه «مؤتمر جامعة رايخمان»، مُقرّاً بأنه «لا جديد في كلّ الحديث عن برنامج إيران النووي، فإيران لم تقْدم على تخصيب اليورانيوم بمستوى 90 بالمئة، بل لو وصلت إلى هذا المستوى لا يزال أمامها عامان كاملان كي تنتج القنبلة النووية الأولى»، مصارحاً بأنّ «من الأفضل لو كان هناك حديث أقلّ عن إيران في إسرائيل».
استعرض وزير الأمن تهديدات إيرانية بحرية


من جهته، ادّعى رئيس الأركان هرتسي هليفي وجود قدرة لدى إسرائيل، وإنْ منفردة، على ضرب المشروع النووي الإيراني، وحذّر، وهو الأهمّ، من «تطوّرات سلبية قد تؤدّي إلى تحرّك» ضدّ إيران. ولفت إلى أن «إيران متورّطة على الصعيد الإقليمي، في كلّ أمر من حولنا، فكلّ عدوّ نواجهه، بطريقة أو بأخرى، يحمل بصمة إيرانية»، مستدركاً بـ«(أننا) لسنا غير مبالين، وأسمح لنفسي بأن أقول إنّ من الصعب أيضاً على إيران أن تظلّ غير مبالية في مواجهة الخطّ الذي نتبنّاه». وأثار كلامه هذا تساؤلات حول مغزى التهديدات التي يطلقها، وما إن كان المقصود بها مبادرة «اعتدائية» تنوي إسرائيل القيام بها ضدّ إيران، أم أنها محاولة وقائية للحؤول دون ردّة فعل إيرانية على الاعتداءات الإسرائيلية؟
أمّا وزير الأمن يوآف غالانت، فاستعرض بدوره تهديدات إيرانية بحرية، وقال: «تشخّص إسرائيل نشاطاً مكثفاً للحرس الثوري الإيراني لتحويل السفن التجارية المدنية إلى قواعد إرهابية عائمة»، مضيفاً أن هذه «السفن مزوّدة بطائرات من دون طيّار وأنظمة صواريخ واستخبارات متطوّرة». وتابع: «هذه سياسة قرصنة، فإيران تتصرّف مثل مجموعة من العصابات وليس كدولة، والقواعد الإرهابية العائمة هي استمرار مباشر للإرهاب البحري الذي تسيطر عليه إيران عبر الخليج وبحر العرب وتعمل على توسيعه إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر وحتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط». ويستدعي حديث وزير الأمن علامات استفهام حول ما إن كان تمهيداً لفعل «اعتدائي» ما في مجال المواجهة البحرية بين الجانبَين؟
من جانبه، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا إن «إيران تشكّل تهديداً حقيقياً لدولة إسرائيل، علماً أنه في السنوات الأخيرة تحوّلت المواجهة معها إلى مواجهة مباشرة، وتركّزت في مجالات مختلفة، لا تشمل فقط المجال النووي ووسائل الحرب المختلفة والخطر الشمالي لحزب الله». وأضاف أن «إيران تتقدّم في برنامجها النووي، سواء في مجال التخصيب أو التسليح، وفي تقديرنا، لم يتمّ اتّخاذ أيّ قرار في إيران لتجاوز العتبة النووية نحو صناعة السلاح، لكن هناك تقديرات تتعلّق باليوم الذي يتّخذ فيه الزعيم الإيراني (المرشد علي الخامنئي)، أو من سيخلفه في المنصب، القرار بشأن مجموعة من الأسلحة، ونحن بعيون مفتوحة نشخّص ونعمل على تحديد متى ستكون إيران أمام هذه المرحلة».
وتأتي هذه التهديدات في وقت تنتشر فيه في الإعلام الغربي، تقارير عن منشآت نووية إيرانية يجري العمل عليها بالقرب من منشأة «نطنز» النووية، يقدَّر أنها ستكون محصّنة ضدّ القنابل الخارقة للتحصينات الموجودة لدى الولايات المتحدة، ما يشكّل، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، خطوة تمهيدية لبدء رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات غير مسبوقة، من شأنها تقريب إيران أكثر من صناعة قنبلتها النووية الأولى. وبحسب الإعلام العبري (صحيفة «إسرائيل اليوم»)، فإن «التقديرات في إسرائيل تشير إلى احتمال أن تزيد إيران من مستوى تخصيب اليورانيوم كجزء من البرنامج النووي. وعلى هذه الخلفية، وبهدف تحذيرها من التداعيات، أطلق مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي وفي المؤسسة السياسية في الأيام القليلة الماضية، سلسلة تصريحات تهديدية تجاه إيران»، لأهداف ردعية. ووفقاً لتقرير الصحيفة، «يخشون في إسرائيل من تعمّد إيران رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 84 بالمئة. لذلك، أوضح رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الاستخبارات ومستشار الأمن القومي، إن إسرائيل جاهزة لاستخدام قوتها العسكرية، إذا اعتقدت أن الوضع يقتضي منها ذلك».