تعيش إسرائيل حالة انتظار لما ستؤول إليه الأزمة الروسية - الغربية حول أوكرانيا؛ إذ إنّ تداعياتها لن تستثني المصالح الإسرائيليّة، بما يشمل إمكانية تعاظُم التهديدات على الأمن القومي للكيان العبري، في الدائرتَين الأقرب والأبعد إليه وما بينهما، فيما دائرة الفرص تبدو مقلَّصة. من ناحية تل أبيب، تبدو الأزمة الأوكرانية مُغايِرة لما خبِرته الدولة العبرية في العقود الماضية، حيث كانت الأزمات بطبيعتها محلّاً للتأثير المتبادل. لكن في الحالة الأوكرانية، ثمّة قصور يد إسرائيلي تجاه ما يجري، وشبه عجز عن التأثير في النتائج أو حرف اتّجاهاتها، بما يخدم مطلب إزالة التهديدات المرتقبة أو التقليص منها. وما يضاعف حراجة الموقف الإسرائيلي أن تل أبيب غير معنيّة، بل غير قادرة، على اتّخاذ أيّ خطوة من شأنها التشويش على المصالح الأميركية في مواجهة روسيا؛ وأنها في الوقت نفسه مهتمّة بالابتعاد قدر الإمكان عن الإضرار بموسكو، على نحو قد يؤدّي إلى نتائج كارثية على أمنها. هذان الحدّان هما اللذان يحكمان الفعل الإسرائيلي، وإن كان الحدّ الأوّل، هو الأوْلى والأكثر حضوراً وإلزاماً على طاولة القرار في تلّ أبيب، خصوصاً إذا ما اتّخذت الأمور منحى متطرّفاً (اجتياح روسي كلّي أو جزئي لأوكرانيا مثلاً)، وأجبرت إسرائيل على مغادرة مربّع الحياد. وبمعزل عن السيناريوات التي ستسلكها الأزمة، تبقى هذه الأخيرة حاملة بذاتها لدلالات ليست مصدر طمأنة لإسرائيل؛ إذ إنها أنبأت باستعادة روسيا مستوى من المكانة مفقوداً منذ زمن، في مقابل تراجع الولايات المتحدة عن صدارةٍ تمتّعت بها طيلة العقود الماضية، ونهوض المارد الصيني وتحدّيه المصالح الأميركية. ولعلّ هذه التموضعات المتقابلة تحدّ من قدرة الولايات المتحدة ودافعيّتها إلى أيّ منازلات خارج دائرة المواجهة الرئيسة مع الدولتَين العظميَين، وهو ما يعني أنّ واشنطن ستسعى إلى الإبقاء على الخريطة الجيوسياسية على حالها في الشرق الأوسط، ونزع فتائل أيّ مواجهة وإن عبر الوكلاء. وهاهنا يكمن مصدر الإضرار بتل أبيب، إذ إن استراتيجية كتلك تمثّل تهديداً هائلاً للمصلحة والأمن الإسرائيليَّين في المنطقة، من دون أن تكون لدى الدولة العبرية القدرة الذاتية على حرف اتّجاهاتها.
كذلك، ثمّة تهديد مرتبط بإمكانية تحوّل الخصومة ما بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية، إلى عداء، مع ما يعنيه هذا من استحالة الإضرار بأميركا مطلباً حيوياً واستراتيجياً للجانبَين الروسي والصيني، على قاعدة «المجموع الصفري» الذي لا محلّ فيه للحلول الوسط، بل فقط للفوز أو الخسارة. ووجْه التهديد، هنا، بالنسبة إلى إسرائيل، هو أنّ أعداءها قد يجدون الفرصة سانحة للتحوّل من الموقف الدفاعي إلى الموقف الهجومي، انطلاقاً من أنّ إيذاء الأميركيّين بات يمثّل مصلحة روسية - صينية مباشرة. فبدلاً من أن يكون لجم الأهداف النووية الإيرانية، مثلاً، محلّاً للمساومة من قِبَل موسكو وبكين لتحصيل مكتسبات من الجانب الأميركي، تتحوّل هذه الأهداف إلى مطلب للعاصمتَين كونها مصدر إضرار بالمصالح الأميركية، من دون أيّ صلة بثمنٍ ما يعرَض على الجانبَين لقاء موقفهما. والأمر نفسه ينسحب على حلفاء إيران، الذين قد يصبحون محلّ رعاية ومساعدة من جانب روسيا والصين، ما من شأنه بدوره مفاقمة التهديدات المحدقة بإسرائيل.
بمعزل عن السيناريوات التي ستسلكها الأزمة، تبقى حاملة بذاتها لدلالات ليست مصدر طمأنة لإسرائيل


هذا السيناريو، الذي يبدو تَحقّقه معقولاً على رغم تطرّفه، يُعدّ، من وجهة نظر الدولة العبرية، التهديد الأكبر لأمنها وحضورها ومكانتها؛ بالنظر إلى أنّ تداعياته لن تقتصر على مجرّد اكتساب أعدائها منعة إضافية، بل ستنسحب كذلك على قدرتهم وحافزيّتهم للإضرار بها، لا في إطار ردّ الفعل على فعلها فقط، بل وأيضاً عبر اتّساع هامش المناورة الابتدائية ضدّها، في مختلف ساحات المواجهة (سوريا ولبنان والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية المحتلّة). أمّا بقيّة التهديدات التي قد تنجم عن الأزمة الأوكرانية، فهي تُعدّ إسرائيلياً من «الصفّ الثاني»، شأنها شأن الفرص التي قد يتراجع تصنيفها إلى «الصفّ الثالث»، ومن بينها الفرصة التي لا يغادر الحديثُ عنها الكتاباتِ العبرية في الأسابيع الماضية، وهي إمكانية أن يتيح الكباش الروسي - الغربي، لإسرائيل، أن تحلّ محلّ أميركا حليفاً وشريكاً وراعياً للأنظمة الخليجية في مواجهة إيران، في أمنية تكاد تكون مدعاةً للتعجّب، بل وللسخرية أيضاً.