قبل 14 عاماً، انضمّ العميد إسماعيل قاآني إلى «قوّة القدس». الرجل الستّيني، ابن مدينة مشهد (شرق إيران)، التحق منذ انتصار الثورة الإسلامية بصفوف الحرس الثوري، وشغل مناصب قيادية عديدة في «لواء الإمام الرضا» و«لواء نصر» العسكريَّين، وتولّى قيادة هذه القوات التي كانت من القوات الأمامية على امتداد الجبهات الجنوبية إبّان الحرب مع العراق.تنقّل الرجل، الذي تعرّف للمرّة الأولى إلى الشهيد قاسم سليماني عام 1982، بين مناصب عديدة ذات مهام أمنية - استخبارية في هيئة الأركان المشتركة لـ«الحرس». و بالتالي، يمكن القول إن العميد قاآني يملك خبرة 40 عاماً في مجال القتال الميداني العسكري، وخبرة واسعة جداً في الميدان الأمني الاستخباري، علماً بأن قلّة من القيادات العسكرية في إيران تحمل هذه الصفات. تعرّض قاآني لإصابات متعدّدة في عينه وقدمه وأماكن أخرى من جسده خلال الحرب العراقية الإيرانية.
قبيل حرب تموز في لبنان عام 2006، اختار اللواء سليماني العميد قاآني لينضمّ إلى «قوّة القدس» كنائب لقائدها. وكما هو معروف، فإن هذه القوة تندرج ضمن تشكيلات الحرس الثوري، ويتمّ تعيين قائدها مباشرة من قِبَل المرشد علي خامنئي، وبالتالي تعتبر ذراعاً عسكرية إدارية استراتيجية، مهمّتها دعم قوى المقاومة، وهي القوة الدافعة لهذا المحور والداعم الأساسي له لوجستياً ومادياً وعسكرياً.
جمعُ العميد قاآني للخبرات القتالية الميدانية والاستخبارية جعل الرجل ينخرط سريعاً في مهامه، فكان له دور فاعل إلى جانب الشهيد سليماني في حرب تموز 2006، وفي حروب غزة، وخاصة حرب الـ22 يوماً ضد القطاع. ومع بداية الأحداث السورية وظهور تنظيم «داعش» والمجموعات الإرهابية على مساحة الإقليم، كان العميد قاآني موجوداً إلى جانب الشهيد سليماني على جبهات القتال كافة، وبعيداً من أعين عدسات الكاميرا التي كانت ترصد وجود سليماني على امتداد الجبهات، فيما أخذ قاآني وقتها لقب «قائد في الظل».
لم يكن اختيار العميد قاآني محض صدفة؛ فالشهيد سليماني أدرك مبكراً أنه هدف للاغتيال من قِبَل أعدائه الإقليميين والدوليين، وبالتالي أراد أن يترك إرثاً وشخصية قادرة على استكمال عمل «قوّة القدس» بالزخم نفسه الذي كانت تعمل به في خلال فترة قيادته لها، خصوصاً في ظلّ تقديره أن مرحلة المواجهة المقبلة بحاجة إلى رجل مدرك للتفاصيل كافة، حازم وصلب ومتوقّد، فكان قاآني، «العقل المفكر» إلى جانب الشهيد سليماني في إدارة ملفات المحور بشكل كامل.
قاآني، وبسبب حساسية عمله وانشغاله، دائماً ما فضّل الابتعاد عن الإعلام والتصريحات العلنية، ما جعل الكثيرين خارج إيران يسمعون باسمه للمرّة الأولى، مع العلم بأنه شخصية معروفة جداً في أوساط الحرس الثوري وقوى المقاومة. فـ«الحاج إسماعيل» كان يحبّذ الحديث في مراسم توديع الشهداء وإحياء «ذكرى الدفاع المقدس» والجلسات الخاصة، كما كان مطّلعاً ومشاركاً بفعالية في انتصار القوى الرديفة على الإرهاب التكفيري في سوريا.
كان له دور فاعل إلى جانب الشهيد سليماني في حرب تموز 2006


الاختيار السريع للعميد قاآني خَلَفاً لسليماني، من قِبَل المرشد، يدلّ على الثقة الكبيرة التي يتمتع بها هذا الرجل، وخاصة أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة قاسية تتطلّب رجل المهمات الصعبة، وبالتالي لم تحتر القيادة الإيرانية في اختيار خليفة لسليماني، لأنه أعدّ بنفسه الرجل ليكون قائداً قادراً على إدارة المعركة المقبلة. معركة ستكون «قوّة القدس» هي العقل الأساسي المخطّط لها بمشاركة القوات المسلحة والأذرع العسكرية الإيرانية من قوات صاروخية وجوية، ربما سيكون لها الدور الأنسب لتنفيذ الردّ على امتداد أهداف رسمتها القيادة، إضافة إلى خيارات التدحرج التي تضعها القيادة العسكرية نصب أعينها، ودخول أكثر من لاعب إقليمي إلى ميدان معركة قد تشتعل ويمتد شعاعها من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط.
«حاج إسماعيل»، كما يناديه المقرّبون منه، كان ولا يزال يتجنّب الأضواء. رجل ألمعي، معروف بجدّيته وحذره الشديدين، مشرف على كامل ملفات المنطقة. قبل أربع سنوات، وفي تصريح نادر جداً أثناء مقابلة مع إحدى المجلات المعنية بـ«الدفاع المقدس»، قال قاآني: «الأميركيون يحلمون إذا اعتقدوا أننا سنتركهم بحالهم... إذا هربوا إلى السماء فإننا لن نتركهم وشأنهم»!