فاجأ وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني مواطنيه، قبل نحو أسبوعين، بالدعوة إلى انتخابات مبكرة. «دعنا نذهب على الفور إلى البرلمان لنلاحظ أنه لم تعد هناك أغلبية. وسرعان ما نعيد الكلمة إلى الناخبين»، بهذه الكلمات أعلن سلفيني، في بيان، فكّ الارتباط بحليفه «حركة خمس نجوم»، عقب تصويت أعضاء «الحركة» في البرلمان ضد مشروع القطار السريع (TGV)، الذي يربط ليون الفرنسية بتورينو الإيطالية، والذي يحمل أهمية كبرى لسالفيني وحزبه «الرابطة»، نظراً لتوفيره عدداً كبيراً من فرص العمل.بدا سالفيني واثقاً من فوز حزبه في الانتخابات المرتقبة، وهو بذلك يستند إلى تصاعد الدعم له، بعدما استطاع منذ الانتخابات الأخيرة، أي في فترة عام وشهرين، مضاعفة عدد ناخبيه (ترجّح آخر الإحصاءات حصول حزب «الرابطة» على 39% من أصوات الناخبين)، خصوصاً بعد فوز حزبه في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، التي حصد فيها ما يقارب 35٪ من الأصوات، نتيجة تكريس هيمنته على المشهد السياسي الإيطالي. وكانت الانتخابات التشريعية الإيطالية التي جرت، في آذار/مارس ٢٠١٨، قد أفرزت فوز حزبين شعبويين، هما «حركة خمس نجوم»، وحزب «الرابطة» اليميني المتطرف، الذي يقوده سالفيني. وقد خاض هذا الأخير معركته الانتخابية تحت شعار «الإيطاليون أولاً»، مستثمراً في ملف المهاجرين غير الشرعيين، وواعداً ناخبيه بتطبيق برنامج جذري في هذا الشأن، يتمثل بترحيل أكثر من 600 ألف مهاجر، وخفض الموازنات المخصصة لاستقبالهم و إيوائهم. أما «حركة خمس نجوم»، التي أسّسها عام ٢٠٠٩ الممثل الكوميدي بيبي غريللو، ويترأسها حالياً الشاب لويجي دي مايو ذو الـ٣١ عاماً، فترفض فكرة تصنيفها حزباً سياسياً، وتعتبر نفسها مناهضة للنخب السياسية التقليدية وللمؤسسات، وليس لديها إيديولوجيا محددة أو مرجعية فكرية تقوم عليها. وتقوم هذه الحركة، في الواقع، على خمس نقاط تمثل القضايا التي تدافع عنها، وهي: المياه العامة، والنقل المستدام، والتنمية المستدامة، والحق في الوصول إلى الإنترنت، وحماية البيئة. ويمكن تصنيفها ضمن خانة «الشعبوية اليسارية»، خصوصاً أن حملتها الانتخابية كانت قائمة على تحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفرد وتوفير «دخل المواطنة» بقيمة ٧٨٠ يورو لكل الإيطاليين وفق شروط محددة. أما في ما يتعلق بملف المهاجرين، فناخبو هذه الحركة منقسمون بين مؤيد ومعارض، خصوصاً أن بعضهم بحاجة لليد العاملة الأجنبية، بينما يرفضون أن تتحوّل إيطاليا إلى «مخيّم للاجئين». وما يجب الإشارة إليه، أن هذين الحزبين («الرابطة»، و«خمس نجوم») خاضا معارك ضد بعضهما قبل أن يتحالفا بعد صدور نتائج الانتخابات، ما يعني إمكانية اختلاط الأوراق مجدداً، وعودة تحالفات سابقة كانت قد شهدتها إيطالياً. فقد كان حزب «الرابطة» قد تحالف مع حزب «إيطاليا الأم»، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني (وهو حزب محافظ ذو خلفية يمينية)، بهدف تشكيل رافعة لليمين الإيطالي. وحصد هذا التحالف ٣٧٪ من الأصوات، بينما كانت المفاجأة الكبرى بحصول «حركة خمسة نجوم» على ٣٢,٧٪ من الأصوات في مقابل تراجع تحالف اليسار الإيطالي بقيادة رئيس الحكومة الأسبق ماتيو رنزي. في المحصلة، وصلت خريطة التحالفات، حينها، إلى قرار «حركة خمسة نجوم» التحالف مع «الرابطة»، رغم تباعد الرؤى بين الاثنين. وقد اتفق هذان الحزبان على برنامج مشترك، يعمل على زيادة الإنفاق العام (إيطاليا هي ثاني دولة مدينة في الاتحاد الأوروبي بعد اليونان)، بدلاً من إجراءات التقشف المتبعة.
يسعى سالفيني إلى التخلّص من خصومه وتطبيق سياساته بكامل حريته


وبعد مرور عام ونصف، لا تزال الرؤى المتباعدة والأولويات المختلفة تؤدي دورها في رسم المشهد الذي يجمع بين «الحليفين»، ما دفع سالفيني إلى استغلال العوامل الإيجابية الأخيرة المتبدية بفعل زيادة أعداد ناخبيه، ليعلن حلّ الائتلاف الحكومي الحاكم، وبالتالي التخلّي عن «حركة خمسة نجوم» التي خسرت أكثر من نصف ناخبيها. وبهذه الخطوة، باتت إيطاليا على أبواب انتخابات نيابية مبكرة، في خريف ٢٠١٩، هذا إن لم تتأخر، نظراً لارتباط البلاد بالتزامات عدّة، أبرزها ضرورة تقديم الموازنة للاتحاد الأوروبي قبل نهاية شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.
يسعى سالفيني من خلال تحرّكه الأخير إلى التخلّص من خصومه، وتطبيق سياساته بكامل حريته، فهو يريد إبعاد كل من يعارضه، كوزيرة الدفاع إليزابتا ترنتا، التي تشكل عائقاً أمام مقاربته المتعلّقة بملف المهاجرين، ووزير الاقتصاد جوفاني تريا، «المتعاون» مع بروكسل في ملف «الدَّين الإيطالي»، ووزير المواصلات المعارض لمشروع القطار السريع. في مقابل ذلك، نفى سالفيني نيّته الخروج من من منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي، فيما لا يزال صارماً في تطبيق سياسته الخاصة تجاه المهاجرين، ولا سيما أنه نجح، أخيراً، في إصدار قانون يعاقب المنظمات غير الحكومية التي تساعد هؤلاء في المتوسط. فهل تشهد أوروبا سقوط روما واستحواذ اليمين المتطرّف على السلطة، وتفرّده بإدارة البلاد، بحال فوز سالفيني في الانتخابات النيابية المقبلة؟-