المؤشر الأكثر إقلاقاً بالنسبة إلى تل أبيب، وإن كانت تتجنّب الحديث عنه تفادياً لاستفزاز ترامب، هو أن تخفيض إيران التزاماتها النووية أتى بموازاة تعزيز قوة ردعها في مواجهة الحشد الأميركي، على خلاف ما كانت تأمله إسرائيل. معادلة ظهّرها بوضوح حادث إسقاط الطائرة الأميركية، والذي عكس ثقة إيرانية بالقدرة على خوض المواجهة، وهو ما حضر بقوة لدى مؤسسة القرار في واشنطن، وأدى إلى التراجع عن الرد حتى الموضعي والمحدود، انطلاقاً من أن ذلك سيؤدي إلى التدحرج نحو مواجهة لا تريدها الولايات المتحدة، الأمر الذي شكل نذير شؤم لتل أبيب.
كشف الرد المتدرج الذي تنتهجه إيران، في مواجهة الحرب الاقتصادية عليها، عن مكامن خلل جوهري في أصل المقاربة الإسرائيلية والأميركية للواقع الإيراني.
رأى نتنياهو في تسريع التخصيب «خطوة خطيرة جداً جداً»
تنطلق هذه المقاربة من أنه في حال وجد النظام نفسه بين خيارَي التنازل وتهديد وجوده، فمن الطبيعي أن يختار الأول. ويُستشهد في هذا السياق بقرار وقف الحرب مع العراق في العام 1988، وتعليق البرنامج النووي الإيراني مع بداية الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. لكن خطأ الأميركيين والإسرائيليين يكمن في عدم إدراكهم حجم التطور الذي شهدته إيران في العقود الثلاثة الأخيرة، على المستويات كافة، فضلاً عن تجديدها برنامجها النووي والاندفاع به أشواطاً خلال فترة الرئيس أحمدي نجاد. يضاف إلى ذلك أن إيران تعي أن الولايات المتحدة تطمع في استعادة هيمنتها عليها، على خلفية ما تمتلكه من ثروات هائلة، ولموقعها الجيوسياسي، الأمر الذي يضفي على الصراع معها أبعاداً دولية أيضاً. وفي ضوء هذه الرؤية، تشهد الجمهورية الإسلامية، بالرغم من المصاعب الاقتصادية التي تواجهها، التفافاً شعبياً واسعاً حول خيارات النظام في الدفاع عن نفسه.
خطورة المشهد، من منظور إسرائيلي، أن المسار الذي بدأته إيران بالأمس سوف يتواصل ما دامت الولايات المتحدة مصرّة على العقوبات، ومنكفئة عن المواجهة العسكرية المباشرة، إلى حين تحقيق إحدى النتائج التالية: إما التزام أوروبا بموجبات الاتفاق النووي، أو عودة البرنامج النووي إلى ما كان عليه قبل الاتفاق، وربما أكثر... أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة. وفي كل هذه السيناريوات لا يوجد ما يلبي الطموح الإسرائيلي، باستثناء أن تنخرط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية واسعة مع إيران، أو أن تفرض عليها عقوبات دولية شاملة. لكن مشكلة تل أبيب في السيناريو العسكري أنها ستدفع أثماناً هائلة، فيما لا توجد إلى الآن أي مؤشرات على إمكانية تحقيق السيناريو الثاني. ولذا، لا يتوقع أن تقف تل أبيب مكتوفة الأيدي أمام المساعي الأوروبية في المرحلة المقبلة، بل ينتظر أن تبدأ حملة سياسية ودبلوماسية مضادة بهدف قطع الطريق على اتفاق لا يبدو حتى الآن أنه مرجّح، لكنه لو حصل فسيصيب تل أبيب بخيبة لا تقلّ عن خيبة صمود إيران وانكفاء الولايات المتحدة عن مواجهتها.