ليست صناعة محلية، ويمكن اختصارها باستيراد وعرض الأعمال السينمائية الغربية مرفقة بترجمة عربية مصدرها الخليج. هذه الأفلام تُعرض في الصالات اللبنانية كما لو أنّها تُعرض في الخليج، فتلحق ترجمتها رقابة على المحتوى. ويتجلّى ذلك في التحوير الذي نصادفه في الكثير من الأفلام والمسلسلات الأجنبية.
هكذا، تسير عجلة السيناريو الأصلي للفيلم بلغته الأم (الإنكليزية غالباً)، تزامناً مع بروز تناقض بين ما يقوله الممثلون والكلام الذي يظهر على الشاشة، يصل إلى حدّ استغباء المشاهد. النماذج كثيرة طبعاً على بداية «خلجنة» الأعمال السينمائية بعد التلفزيونية، وخصوصاً في شقين يتعلقان بالثالوث المحرم هما الجنس والدين. على سبيل المثال، تُستبدل كلمة خمر أو نبيذ بعصير العنب، والله بالقدير، والكنيسة بالمعبد. أما عند الحديث عن الجنس، فإنّ الترجمة المرئية (Subtitles) تتحفنا مثلاً بأنّ رجلاً يريد «مواعدة» امرأة، فيما هو يريد ممارسة الجنس معها. على القاعدة نفسها، تُستخدم كلمة «ممنوعات» لدى الحديث عن المخدرات. هذه الأمثلة وغيرها، تعطينا صورة وافية عمّا يُعرض اليوم في الصالات اللبنانية وعلى الشاشات المحلية، وكيف تسقط النسخة الخليجية عليها من دون أي رد فعل أو تحرّك من جانب المعنيين.
في البحث عن هذه الظاهرة، يصعب إحصاء العدد الحقيقي للشركات الموزّعة لهذه الأعمال في لبنان، ولعلّ أبرزها شركة Gulf Film (دبي). هناك من يرى أنّ نسبتها لا تتعدى الـ 2 في المئة، بينما يرى آخر أنّ الرقم أكثر من ذلك. وبما أنّ البحث في هذه الظاهرة يحيلنا على التلفزيون أيضاً، تبرز أسئلة جوهرية: كيف هي الأوضاع على الشاشة الفضية؟ وكيف تجري عملية الترجمة ووفقاً لأي معايير؟ وما هي الحجج التي يقدّمها القائمون على القنوات لتبرير الرقابة على المشاهد والترجمة؟
مدير البرمجة في إحدى أشهر الصالات اللبنانية يؤكد لـ«الأخبار» أنّ الأفلام عادة تأتي «جاهزة» من مصدرها، وأحال «خلجنة» الأفلام على ادّخار الشركات المصدّرة (غالبيتها في دبي والكويت) للمال عبر إرسال النسخة الخليجية إلى لبنان، برغم أنّ الأخير لا يمارس هذا النوع من الرقابة. هذا في ما خص استيراد الأعمال الأجنبية، فماذا عن عمليات الترجمة المرئية التي تُرافقها؟ وما المحاذير التي يلتزمها المترجمون؟ وهل للشركة المترجمة رأي مختلف عن رأي الرقيب، أم أنّها مغلوب على أمرها؟
المنسق الفني لشركة Image Production House، جورج أبو سلبي، يشرح لـ«الأخبار» أنّ الترجمة النهائية تمرّ بثلاث مراحل هي: الترجمة، والتدقيق اللغوي، ومتابعة المعايير التي تضعها القناة التلفزيونية. Image Production House التي توفّر أيضاً خدمات الدبلجة على أنواعها، تستعين بأكثر من مئة مترجم في عملية التنفيذ. في هذا السياق، يتحدّث أبو سلبي عن المحاذير التي تضعها القنوات، ولا سيّما الخليجية القائمة في دبي وأبو ظبي والكويت وقطر، وترمي إلى إعطاء معظم الأعمال «الطابع العائلي»، ما يستوجب أوتوماتيكياً الرقابة. ويرى أبو سلبي أنّ هناك تقدّماً أُحرز على هذا الصعيد، إذ كانت بعض القنوات السعودية تحذف مشاهد ضمن أعمال وثائقية تتضمن تزاوجاً بين حيوانات. واليوم، قد تكون قناة OSN (المشفرة) «الوحيدة بين القنوات الخليجية التي لا تُمارس رقابة على محتوى الأعمال المعروضة عبر شاشتها».
قد تكون OSN «الوحيدة» التي لا تُمارس رقابة على المحتوى
ولدى السؤال عن تأثير هذا الاقتطاع في محتوى وسياق العمل نفسه، يميّز أبو سلبي بين ما سماه «تلطيفاً» أي استبدال عبارة بأخرى قد لا توثر في السياق كاللجوء إلى مرادف الكلمة مثلاً، وبين «خداع الجمهور» عن طريق إاستبدال الكلمات بأخرى تفيد معنى مغايرا كلياً، أو نشر كلمات على الشاشة تتناقض مع المشهد الظاهر عليها. ويردف بالقول إنّ هناك أفلاماً لا يمكن أصلاً اقتطاع مشاهد منها أو تحريف ترجمتها لأنّ ذلك سيؤثر حتماً في سياقها، كشريط Basic Instinct (عام 1992) المبني أساساً على الجريمة والجنس.
وفي ما خص القنوات اللبنانية، يلفت أبو سلبي ألى أنّها لا تُمانع عرض «مشاهد ساخنة» تتضمّن قبلاً حميمة مثلاً، شرط ألا تصل إلى «الشهوانية»! هذه هي إذاً حال شركات الترجمة المغلوب على أمرها، فما هو حال القنوات الخليجية وكيف تضع دفاتر شروطها في الرقابة على الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تعرضها؟ المتحدّث الرسمي باسم مجموعة mbc السعودية مازن حايك يشّرح لنا مسار هذه الأعمال، والمراحل التي تمر بها قبل خروجها إلى الجمهور. بداية يُعرّف mbc بأنّها مجموعة «قنوات عائلية بامتياز» وتسعى لاستقطاب أكبر شريحة من المحيط إلى الخليج، ومن فئات عمرية مختلفة. لذا، يُصار إلى إجرء بعض «الاستثناءات»، وخصوصاً في أفلام الأكشن التي غالباً ما تُعرض في أوقات متأخرة، وقد تتضمن مشاهد عنيفة غير ملائمة للأطفال. ويربط حايك على نحو وثيق محاذير المجموعة السعودية بـ«منظومة القيم التي تنسجم مع تربيتنا وموروثاتنا الحضارية».
خمس مراحل تخضع لها الأعمال قبل عرضها على الشاشة، بدءاً من تأليف لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص من جنسيات وأعمار مختلفة تشاهد المحتوى وتقوّمه، مروراً بالقيام بأعمال الترجمة التي تحصل وفق «منظور لغوي/ لفظي/ مجتمعي» مقرر سلفاً. وهناك لجنة أخرى لمراقبة العمل المترجم من «المنظور الرقابي»، وتقوم بأعمال الحذف والمونتاج. وبعد إانتهاء هاتين العمليتين (الترجمة والاتطاع)، يُصار إلى مشاهدة العمل كاملاً مع تعديلاته، وأخيراً يُشاهد العمل مرّة أخيرة قبيل عرضه للتأكد من عدم وجود أي خلل.
لكن ألا تؤثر كل هذه الإجراءات الرقابية في القيمة الفنية للعمل؟ يجيب حايك بأنّ أعمال القص تحتاج إلى «إلمام بموضوع العمل كي لا تؤثر في الحبكة الدرامية. فالحذف لا يجري لمجرّد الحذف، بل لتوفير محتوى آمن ومناسب لأوسع شريحة من أفراد العائلة العربية». وفي ما خصّ أعمال الترجمة، تتعاون mbc مع «شركات محترفة»، تُطبّق المعايير نفسها المتعلقة بالمحتوى المعروض على شاشاتها، شرط ألا تؤدي هذه الرقابة إلى «تحريف المعنى وإبعاده عن سياقه الأصلي». الرقابة على الترجمة تتكامل برأي حايك مع تلك الممارسة على المحتوى: «لا يمكننا حذف مشهد خادش للحياء، وترك الكلمات النابية». وبين «الحرص» على ألا تتسبب الرقابة في تغييب متعة المشاهدة و«المشاهدة العائلية الآمنة»، تبقى خطوط حمراء أساسية لا يمكن تجاوزها بحسب حايك: الجنس، والإساءة إلى الأديان، والمعتقدات.