(ميليسا شلهوب)
هذه حكاية عن القلق، لا نجوم في سماء هذه المدينة، بل ذباب أرعن من النوع الذي يضيء قفاه. لا قمر في هذه المدينة بل عجوز أحمق سكران يحمل ما تبقى من سيجارته. شوارع هذه المدينة تعيسة، تهرب من بقع الضوء عمداً؛ سكّانها نفايات، قطّتين، وكلبٌ أعورُ دجّال صوته يشبه النعيق. لون هذه المدينة رمادي داكن، باهت، كأن أحدهم أمسك جرذاً بالأمس، معسه، ولطخ به الجدران. لا سينما في هذه المدينة، ولا حديقة عامة، لا مسرح ولا مكتبة بل خمسة أشجار مهترئ زيتونها بجوار مقبرة. والمكتبة الوحيدة العامة، خاصة، مرمية على طرف أحد الزواريب، كغداء منسي، كالأريكة الثالثة في غرفة الجلوس. هنا المقاهي علب سردين مبعثرة، رائحة القهوة، عرق جبين الرجال، والعرق، مال على طاولة مستديرة مخملية خضراء كالعشب المبلل. هنا حليب أثداء النساء حقد، رجل على رجل فوق رأس أولئك ذي البشرة السوداء، كأحجار الشطرنج المهزومة في المنازل. هنا بلدية بسلطة الحزم، بكل ما أوتي لها من قوة تطبّق أعلى درجات القانون، تخنق أنفاس أحياء منعوا أصلاً من حقهم في الحياة.
هنا الفراغ شعوب صبغت بلونين، ورغم غياب إشارات المرور، إلا أن الجميع، إما أحمر أو أخضر.
هنا الغريب من لم يحمل اسم المدينة على هويته، ذاك الذي لم يحالفه الحظ بالولادة على أراضيها. هنا حيث لا موسيقى تعلو فوق صوت الضجيج. هنا حيث ينتابك الإحساس دائماً بأنك تريد البكاء. هنا لا وقت للوقت، كل الأشياء على عجلة من أمرها، في رحلة البحث عن العبث. هنا، مستشفى، والأموات فيها أحياء يرزقون، وفيات بالجملة، أوراق النعوة ككراتين البطاطا مشلوحة على العواميد المعطلة.
كان جان فالجان شاهداً على البؤس في رواية البؤساء لفيكتور هوغو، أما هنا، لا شاهد على بؤسنا سوى خزاني مياه مربوطان كحقائب هجرة إلى ظهر مبنى متعب، وأنا.