دمشق | ازدادت معدلات البطالة في سوريا، والتي كانت تُقدّر بـ 8.4% عام 2010، الى معدلات قياسية تقدّر بـ 39% حالياً، حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء. ومع ظروف الانهيار الاقتصادي، وانعدام فرص العمل المنتج، اندفع العاطلون من العمل، وخاصة من الشرائح الفقيرة، في ابتكار فرص عمل لتحصيل قوت يومهم.
وظهرت مبادرات عدة من قبل الشباب في محاولة منهم لتحصيل لقمة عيشهم وإعانة أسرهم، ولا سيما بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي تشهده الأسواق السورية. ومن هذه المبادرات ما قامت به مجموعة طلاب جامعيين في مدينة جرمانا في دمشق، حيث شكلوا فريقاً للعمل في مجال خدمات النظافة، كتنظيف أدراج البنايات السكنية مقابل 200 ليرة سورية، أي دولار واحد تقريباً للبناية الواحدة. وتتألف مجموعتهم من خمسة أشخاص، ثلاثة طلاب جامعيين واثنان متخرجان. ويردّون الأسباب التي استدعتهم للعمل بهذا المجال إلى عدم توفر فرص عمل لحاملي الشهادات العلمية وأصحاب الخبرات العملية من جهة، ولتشجيع أقرانهم من الشباب على عدم الركود والاستسلام وانتظار الفرصة، فحسب قولهم «يجب على الشاب أن يصنع فرصته بيده، لا أن يكون متكّلاً».
ماهر، الأكبر سنّاً بينهم والمتخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق، يعدّ المسؤول عن أصدقائه في هذا العمل. يسترسل في حديثه مع «الأخبار» عن هذا النشاط، ويقول: «نعي أنّ هذه المرحلة صعبة ومدمرة لجيل الشباب ومستقبلهم على نحو خاص. وانطلقنا من اقتناع بأنّ استسلامنا لظروف الأزمة، أو انتظار أن نحصل على وظائف تلائم اختصاصاتنا العلمية أمر لا جدوى منه، لهذا انطلقنا من مبدأ صناعة فرصة العمل بأقل الإمكانات المتاحة والأقل كلفة من ناحية المخاطرة، فرأس مالنا هو مسّاحة ومكنسة وسطل ماء».
ويعبّر ماهر بابتسامة خفيفة يملأها الحزن عن معاملة الأهالي لهم: «هم يستغربون عملنا في البداية، إذ كيف لمتخرجي جامعات أن يعملوا في مجال النظافة، إلا أنهم يتقبلون الفكرة لاحقاً بإعجاب شديد، حتى إنهم في بعض الأحيان يصرّون على المساعدة أو تقديم ضيافة لنا، كنوع من التقدير والاحترام والتشجيع لفريقنا. فلا أحد يتصور «أن شاباً سيكون في المستقبل محامياً أو قاضياً هو الذي يشطف له درج بنايته».

«أقنعة كيماوي» بمئة ليرة

وكما قيل: الحاجة أمّ الاختراع، هذا ما ينطبق على مجموعات من المراهقين الصغار الذين دفعتهم ظروف الحرب الصعبة إلى إبداع وسائل وطرق لتحصيل لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة، حيث ظهرت في بعض مناطق دمشق وريفها مجموعات من الشبان الصغار يبيعون سلعاً مصنعة يدوياً في المنزل، يسمّونها «واقيات السلاح الكيماوي»، وذلك بعد انتشار الكثير من الأخبار والأقاويل حول استخدام أنواع من هذه الأسلحة في الحرب السورية. ويبيعون الواقي الواحد بسعر 100 ليرة سورية، وهذا الواقي مكوّن من علبة مشروبات غازية بلاستيكية فارغة، معلّق بها خيط من المطاط، تحوي بداخلها القليل من مسحوق الكربون والقطن الطبي.
ويقول أحد البائعين، مسوّقاً إنتاجه للناس: «ليس هدفي تحقيق أرباح مادية، فأنا لا أبيع إلا بسعر الكلفة، بل أريد تحقيق أهداف اجتماعية تتضمن الوقاية من المواد الكيماوية الخطيرة، وأدعوكم لشراء هذه الواقيات لأنها تحد من الإصابة في حال استخدام السلاح الكيماوي».

حرف وتطريز وتنّور

ولم تكن النساء السوريات أيضاً أقل شأناً، حيث بادرت مجموعة منهنّ إلى خوض مجال العمل، ولا سيّما في مجال المشاريع الصغيرة بهدف تأمين لقمة العيش لأطفالهن. فبعضهن قمن بأعمال حرفية كصناعة أدوات وأطباق القش القديمة، والتطريز والخياطة البيتية وبيعها بالمفرق، بعدما أصيبت صناعة النسيج في سوريا بانتكاسة كبيرة. وشكّلت منسوجات النساء اليدوية بديلاً من الألبسة الجاهزة التي تباع في السوق اليوم بأسعار مضاعفة، يصعب على المواطنين ذوي الدخل المحدود تحملها. ومنهم من بنى «تنوراً» للخبز العربي (الصاج) بعدما ظهرت أزمة رغيف الخبز في مناطق كثيرة، وشكّل إنتاجهن بديلاً هاماً في مناطق عدة توقفت فيها الأفران الآلية. وبعضهن فضلن خوض المخاطرة في التجارة الحرة، حيث يعمدن الى شراء الألبسة القطنية من المعامل التي تقع في مناطق الاقتتال، ونقلها إلى المحال التجارية في المناطق الآمنة، مقابل 500 ليرة سورية يومياً (ما يقارب الدولارين).