تسليم تل أبيب بمآلات صعبة ــ من ناحيتها ــ للأوضاع في سوريا، برغم أنها تصب في غير مصلحتها، تطوّر يستأهل التأمل. أن تتجه الأمور نحو ترسيخ وجود الدولة السورية، بهويتها القائمة والمتصلة بتكريس قيادة الرئيس بشار الأسد، مع إقرار إسرائيلي بفقدان الأدوات والقدرة على التغيير، مسألة تستأهل هي أيضاً كثيراً من التأمل.
التسليم والإقرار الإسرائيليان جاءا أمس، على لسان وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ليؤكد التقديرات حول مسار الانتصار في سوريا، وغلبة المحور المعادي لإسرائيل في الساحة التي تعدّ ــ من ناحيتها ــ إحدى أهم الساحات في بلورة مستقبل المنطقة.
في مقابلة مع القناة الثانية العبرية، وردّاً على سؤال حول إمكان انتهاء الحرب في سوريا مع بقاء الأسد في منصبه، جدد ليبرمان حديث المصلحة الإسرائيلية، القائل بأن «الأسد لا يمكن أن يبقى في منصبه»، قبل أن يستدرك قائلاً: «ليس كل شيء مرتبطاً بنا وبأيدينا، فنحن لسنا دولة عظمى، وممنوع علينا أن نصاب بجنوب العظمة». وأضاف «ليس نحن كذلك من عليه أن يصلح كل أخطاء العالم».

سنعمل في
أي حرب مقبلة في غزة على إنهاء البنية العسكرية هناك

أن يأتي موقف التسليم الإسرائيلي بغلبة الأعداء في الساحة السورية وفقدان القدرة على الحؤول دونها، على لسان من يريد، يؤكد أنه «الرجل الحديدي» في الحكومة الإسرائيلية ــ وخارجها أيضاً ــ يعد تسليماً مضاعفاً، ويحمل دلالات غير بسيطة من ناحية إسرائيل، وخاصة أن هذا التسليم انسحب أيضاً على لسان ليبرمان، حول الجبهة الشمالية بما يشمل لبنان أيضاً، إذ قال إن «التحدي الذي يواجهنا كجيش، وأنا أيضاً كوزير للأمن، هو منع نشوب الحرب المقبلة... وهذا ممكن من خلال ردع الطرف الآخر ودفعه كي يفهم جدّيتنا». غابت عن ليبرمان ــ في لحظة الحقيقة ــ عبارات الانتصارات والسحق والتدمير تجاه لبنان واللبنانيين وبنيتهم التحتية، وهي الإجابة النمطية التي ترد على لسانه، منذ توليه منصب وزير الأمن وقبله. لكن يبدو أن الحقائق والمعطيات والمعادلات والتقارير الاستخبارية غير المعلنة تدفع رجالات أقصى اليمين في إسرائيل إلى «التواضع» كما قال، والقول إن إسرائيل ليست القوة العظمى التي يمكنها فعل ما تريده، دون تبعات.
حول المواجهة مع قطاع غزة، التي تقدر المؤسسة الأمنية إمكان نشوبها في ظل التطورات الإقليمية والوضع المعيشي السيئ في القطاع، أكد ليبرمان أيضاً أن لا نية لديه لإعادة احتلال غزة، لكن في الوقت نفسه ليس بإمكان إسرائيل أن تكون طرفاً في مواجهة كل عامين، معتبراً أن «هذا مرفوض، وإذا اضطررنا إلى القتال، فمن الممنوع أن تبقى بنية تحتية عسكرية هناك، كي لا يتجرأ أحد على شن مواجهة مستقبلية».
يشار إلى أن ليبرمان كان قد تعهد علناً قبل توليه منصب وزير الأمن، بأنه سيبادر فوراً وخلال 24 ساعة، إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس، اسماعيل هنية. هذا التعهد، كان حاضراً في المقابلة أمس، غير أن ليبرمان اكتفى بالقول «يجب إبداء المسؤولية والسيطرة على اللسان، لأن الأمور تنزلق، حتى لدى أكثر الناس تجربة في العالم».