في إسبانيا ثلاث مسلّمات، الموت، الضرائب، أن يكون مدرب برشلونة إسبانياً/كاتالونياً أو مثّل ألوان النادي خلال مسيرته كلاعب.
عرفٌ استمرّ بصورة «متصلة» منذ عام 2008 حتى العام الحالي، حيث أشرف خلال هذه الفترة على تدريب النادي مدربون حملوا الدماء الكاتالونية بطريقةٍ أو بأخرى، أمثال بيب غوارديولا، مروراً بلويس إنريكي وصولاً إلى تشافي هيرنانديز...

هذا «التعصّب» جعل النادي الكاتالوني يعرف نجاحات متفاوتة. وبعيداً عن وفرة الألقاب، عانى برشلونة الأمرّين أحياناً إثر عدم وجود مدرب «كاتالوني» يليق بالفريق، ما جعله يرقّع «بالموجود». عليه، كان الغياب عن منصات المجد في بعض المواسم ضريبةً مقبولة بالنسبة إلى القيّمين على النادي، طالما أن المدرب «من أهل الدار».

ولفهم هذه العلاقة الفريدة بين نادي برشلونة ومدربيه، لا بد من العروج قليلاً على الحقبات المنصرمة لإسبانيا.

يرتبط نادي برشلونة ارتباطاً وثيقاً بتاريخ كاتالونيا الغني والمضطرب. شعار النادي نفسه «Mes Que Un Club» (بمعنى «أكثر من مجرد ناد») يعكس أهمية «البلوغرانا» لعشاقه. بالنسبة إلى البعض، يمثّل ملعب «كامب نو» أكثر من مجمع رياضي، هو بمثابة معبد.

تجدر الإشارة إلى أن هذه العلاقة «النادرة» لم تبدأ منذ نشأة النادي عام 1899، بل إنها أبصرت النور في أعقاب الحرب الأهلية الدموية في إسبانيا خلال ثلاثينيات القرن الماضي. وفي وقتٍ لاحق من الحرب، أصبح كامب نو أحد الأماكن القليلة في المدينة حيث يمكن للناس التحدّث علانية باللغة الكاتالونية.
أشرف على تدريب برشلونة منذ عام 2008 حتى العام الحالي مدربون حملوا الدماء الكاتالونية


ومع تصاعد توترات المناخ السياسي، جعلت كاتالونيا من نادي برشلونة معقلاً لهويتها، ومؤسسة قادرة على تعبئة مئات الآلاف من المؤيدين ضد العاصمة مدريد. ظهر ذلك جلياً في أكثر من مناسبة، منها خلال تنظيم إقليم كاتالونيا، الذي يتخذ من برشلونة عاصمة له، استفتاء الانفصال عن إسبانيا عام 2017، والذي صوّت خلاله 90% من الناخبين بـ«نعم».

وفي يوم التصويت، دعا برشلونة إلى تأجيل مباراته في الدوري ضد لاس بالماس. وعندما تمّ رفض طلبه، أصدر النادي بياناً أدانَ فيه محاولات منع المواطنين من التصويت، وقال إن المباراة ستقام ولكن خلف أبوابٍ مغلقة. وكان أحد اللاعبين الذين تواجدوا على أرض الملعب أثناء المباراة هو مدافع برشلونة، جيرارد بيكيه، الذي أعلن دعمه للتصويت على استقلال كاتالونيا، حاله كحال لاعبين آخرين، ومدربين مختلفين حملوا دماء برشلونة الكاتالونية.

هذه الدماء المتوارثة منذ قرابة العقدين، انتهت أمس الأربعاء بتعيين الألماني هانسي فليك مدرباً لنادي برشلونة، خلفاً لتشافي هيرنانديز الذي فشل في حصد أي لقب هذا الموسم رفقة الفريق.
تعيينٌ جاء بشكلٍ قسري ربما، إذ حالت الأوضاع المالية المتردية داخل النادي في الحقبة التالية للرئيس الأسبق جوزيب ماريا بارتوميو دون إمكانية استقدام مدرب كاتالوني لامع مثل غوارديولا، مع عدم توفّر مدربين كاتالونيين قادرين على تسلم الشعلة في الوضع الحالي. في المقابل، قد يساهم التوجّه صوب مدربين «أجانب» في اتساع أفق برشلونة وعودته إلى منصات الألقاب تباعاً.

بالطبع، يبقى المدرب الألماني قادراً على انتشال برشلونة. مسيرة فليك الجيدة التي وصلت أوجها عند حصده السداسية كمدرب لبايرن ميونخ عام 2020، تبشّر بحقبة واعدة بالنسبة إلى «بلوغرانا»، ولو كانت بوجهٍ جديد.

مع استقدام مدرب «غريب» عن بيئة النادي، أصبح أسلوب «التيكي تاكا» مهدداً بالانقراض، علماً أنه تراجع بالفعل خلال السنوات الماضية. فهل يجعل فليك من برشلونة «ماكينةً» للألقاب مجدداً، أم يندم النادي على تغيير الهوية «الفنية» الكاتالونية؟