أصادف يومياً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الأسئلة عن أطباء التجميل وأسعار «خدماتهم» المتنوعة. أكثر ما يستوقفني في تلك المنشورات، هو حجم الانقسام الطبقي الذي بات شديد الوضوح. فرغم أن تكاليف تلك العمليات متفاوتة من طبيب إلى آخر، تبقى باهظة جداً مقارنة بمتوسط دخل الفرد محلياً. (عملية تجميل الأنف على سبيل المثال تكلف ما يراوح بين 1000 و2000 دولار، بينما متوسط الدخل لا يتعدّى 100 دولار). لذلك، يبدو طبيعياً أن يبدي كثير من السوريين دهشتهم من قدرة شريحة ما على امتلاك تلك المزايا، بينما لا يستطيعون هم تأمين قوت يومهم إلا بشقّ الأنفس، وإذا كانوا من موظفي القطاع العام فهذا يعني حكماً أنهم يعيشون معظم أيام الشهر بـ«الدَّين».وعلى سيرة الدَّين، اصطحبتني إحدى الصديقات قبل أيام لتبيع آخر مدّخراتها الشخصية (أقراط من الذهب) لتأمين بعض النقود، بعد أن استفحل غلاء كل السلع والخدمات. وبعد جولة بين أكثر من خمسة محال للمجوهرات، تباين السعر المعروض جداً، بالرغم من أن قيمة الذهب واحدة (أو هكذا يفترض). الأمر ببساطة، أن الباعة كانوا يحاولون استغلال حاجة السيدة إلى النقود بشكل واضح، ويبخسون سعر آخر ما تستطيع وصفه بـ«الملكية». صمت ثقيل الظل كان يرافقنا إلى سيارة الأجرة. غالباً أنها كانت تفكر في همّها التالي، الذي لن يطول انتظاره حتماً. بينما كنت أردّد بيني وبين نفسي مجموعة أسئلة بلهاء: لماذا يستقوي القويّ على الضعيف دائماً؟ وإلى متى سيظل الأغنياء يزدادون مالاً والفقراء يزدادون بؤساً؟!
الحمد لله أن سائق التاكسي لم يفسح لي المجال لأغرق أكثر في تلك الأسئلة العدمية. «كم تريد؟» سألته، ليجيب برقم يوازي أضعاف عدّاده. هذا كثير طبعاً، لكن ردّه كان حاضراً، فإدارة المرور لم تعدّل تعرفة أجور النقل منذ حوالى سنة، بينما قامت وزارة النفط برفع أسعار المحروقات، وتقليص مخصصات وسائط النقل أكثر من ثلاث مرات! الأمر الذي أفسح المجال للسائقين لتقاضي أجور «تتناسب وعذابهم» على حدّ تعبير السائق. يعيدني هذا التبرير إلى حديث سابق مع صاحب مكتب عقاري في إحدى ضواحي دمشق، كنت قد سألته عن فرص للاكتتاب في أي جمعية سكنية بأقساط مريحة، فما كان منه إلّا أن هاتفني بعد يومين ليزفّ لي نبأ «الفرصة الذهبية»، وهي عبارة عن «دفتر اكتتاب» باسم أحد أبنائه، ويريد علاوة على مدفوعاته، ربحاً صافياً قدره 3 ملايين ليرة سورية (5000 دولار)! اتّضح لي لاحقاً أنه، وبالاتفاق مع إحدى الموظفات في الجمعية، كان قد اشترى دوراً عديدة مقابل مبالغ زهيدة جداً، وها هو يقوم ببيعها بهذه الطريقة. هل يقدم هذا لمحة عن بعض أسباب ارتفاع أسعار العقارات، واستحالة الحلم بامتلاك شقة لأصحاب الدخل المحدود، ولو في أبعد الضواحي؟.
يضج رأسي بكل تلك الصور، أهرب إلى إحدى أشهر عبارات مسرحية «كاسك يا وطن» للكبير محمد الماغوط: «في حدا بدو يضيّق لي خلقي، ويكرّهني عيشتي لأرحل عن وطني، ما بعرف مينو هادا الحدا، من جوا، من برا، والله ما بعرف...». إلامَ سيستمر هذا الحال؟ هل من أمل ما، بحلّ ما، يجترح طريقة للتعامل مع هذا الواقع غير المتكافئ؟ لا بدّ، لا بدّ، قبل أن نجد أنفسنا أمام خيارات، أسهلها الهروب، وأصعبها الخضوع، وأمرّها الخبز الحرام!