يتغنّى المقرّبون من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأدائه منذ وصوله الى الرئاسة الثانية. لكن، خارج أسوار السرايا الحكومية، يندر العثور على أحد يدافع عن الرجل. فحتى من يعتبرون أنفسهم حلفاء له، يملكون من الأسئلة أكثر مما يملكون من الأجوبة. المقرّبون المتغنّون بحسن الأداء يستشهدون بما يسمونه تغيّر المشهد الطرابلسي. يتحدث هؤلاء عن انقلاب في المزاج الشعبي، تدرّج وفق منهجية اعتمدها رئيس الحكومة منذ دخوله «جنّة السرايا». فيشيرون إلى نجاح المرحلة الأولى من «خطّة» ميقاتي، والقائمة على «تحييد» الجمهور، بمعنى أن من ليس معه لم يعد، بالضرورة، ضده.
أما المرحلة الثانية، بحسب العارفين أنفسهم، فقد بدأ بتطبيقها أخيراً، وهي تقوم على اجتذاب من حُيّدوا في المرحلة الأولى الى صفّه. أما المرحلة المقبلة فعنوانها تكوين عصب سياسي عند المؤيدين لدولة الرئيس.
يشير المقربون من ميقاتي الى أن من يجُول في الأحياء الشعبيّة الطرابلسيّة، هذه الأيام، يسمع كلاماً من نوع أن «الحاج نجيب» تمكّن من حفظ الاستقرار في لبنان. ولولاه، لدخل البلد في أزمات كبيرة تطال أمنه الداخلي وسلمه الأهلي. والكلام نفسه يمكن سماعه أيضاً في عكّار التي يوليها رئيس الحكومة اهتماماً ملموساً. فهو شكّل، في الآونة الأخيرة، لجنة من رؤساء اتحادات البلديّات وممثلين عن السرايا، مهمتها نفض الغبار عن عدد من المشاريع المقرة التي بقيت من دون تنفيذ، ووضع خطوط عريضة لمشاريع جديدة، لأن «رئيس الحكومة لن يدخل عكّار إلّا وفي يده إنجاز جدي على صعيد التنمية». أما في المنية ــ الضنيّة، فينشط شباب «العزم والسعادة» على نطاق واسع. يسرد المقربون من رئيس الحكومة هذه الأمور ليؤكدوا أن هناك عملاً جدياً في الشمال، وأن رئيس الحكومة لا يجلس متفرجاً. لكنّهم يلفتون إلى أن الرجل لا يُريد الاستفادة من موقعه في رئاسة الحكومة، وأنه يعتقد بأن عمله كرجل مؤسسات سيراكم رصيداً شعبياً.
خارج أسوار السرايا، يختلف الكلام. يبدأ النقد لرئيس الحكومة من الأداء الحكومي الضعيف ولا ينتهي بملف الانتخابات النيابيّة. منتقدو الرجل، من حلفائه، لا يخفون خيبتهم ممن كانوا يرون فيه الوحيد القادر على كسر احتكار الحريريّة السياسيّة للتمثيل السني، لأنه يملك المال والتمثيل الشعبي والعلاقات الدوليّة. ويرى هؤلاء أن فشل الأداء الحكومي للرجل سيشكّل ضربة قاسية لهذا المشروع، وسيعني العودة الى حضن «الحريريّة السياسيّة»، لسنوات طويلة مقبلة.
ويعوّل هؤلاء، لإبعاد هذا «الكابوس»، على انعكاس نجاح الأداء الميقاتي في صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة. ومقياس النجاح، في رأيهم، هو نجاح رئيس الحكومة في إيصال كتلة نيابيّة تتألف من أكثر من عشرة نوابٍ سنة، يستطيعون تسمية ميقاتي في أي استشارات نيابيّة. وهذه الكتلة ينبغي ألا تقتصر على الشمال وحسب. من هنا، خرجت فكرة اللقاءين اللذين عقدهما ميقاتي مع عدد من الشخصيات السنية المعارضة لتيار المستقبل (فيصل كرامي، عبد الرحيم مراد، أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، جهاد الصمد، أحمد طبارة، باسم يموت، عدنان عضوم ووجيه البعريني). مصادر مطلعة عزت الفكرة الى أن قناعة تكوّنت لدى ميقاتي بأن بعض هذه الشخصيات تملك حيثيات شعبية حقيقية في مناطقها، تصل أحياناً الى ما بين 25 و35 في المئة من الناخبين السنة. أضف الى ذلك، أن رئيس الحكومة بات مقتنعاً بصعوبة أي تحالف قد يجمعه مستقبلاً مع تيار المستقبل، ولذلك فإنه يعمل على بناء شبكة أمان خاصة به.
على أي حال، فإن نتيجة اللقاءين اللذين عقدا تحت عنوان التشاور والتباحث، ويُفترض أن يُستكملا في لقاءات دوريّة، لم تكن بحجم الآمال. فقد وعد رئيس الحكومة بتفعيل العمل الحكومي بعدما شكا المشاركون من بطء العمل الوزاري. لكن، عملياً، لا نتائج «على الأرض» بعد. كما أن المشاركين لم يلمسوا تسهيلات من رئيس الحكومة على صعيد الخدمات أكثر مما هو متوافر لمنافسيهم من نواب تيّار المستقبل. كما أنه لم يخط أي خطوة لملء 41 موقعاً سنّياً شاغراً في الإدارات العامة، ولم يتخذ أي إجراء في حق بعض الموظفين الرفيعين الذين يجاهرون بولائهم لتيار المستقبل، ويتصرّفون، خصوصاً في الشمال، كما لو أنهم أقوى من رئيس الحكومة.
لذلك كله، خرج بعض هؤلاء بخلاصة مفادها أن تصرفات ميقاتي تشير إلى انه، ربما، لا ينوي خوض الانتخابات النيابية المقبلة. «إذ لو كان راغباً بذلك، فما المانع الذي يحول دون تشغيل ماكينته الانتخابيّة»؟ لا يقف السؤال عند هذا الحدّ، بل يُضيف بعض المشاركين، إن «السيبة» المفترضة في طرابلس لم تُبن بعد. فلا جديد في التحالف المفترض بين ميقاتي وآل كرامي من جهة، والوزير محمّد الصفدي من جهة أخرى، ولا تنسيق بين الماكينات، بل ثمة تضارب بينها. أمّا في عكّار والمنية ــ الضنية، فالحال أسوأ، والاسم الوحيد الجدي هو النائب السابق جهاد الصمد.
معطيات المشاركين في اللقاء، وغيرهم في 8 آذار، تجعلهم يتساءلون جدياً، عما إذا كان ميقاتي في وارد الترشّح للانتخابات النيابيّة، «وإلا فأين هو قانون الانتخابات الذي لا يبدو أن ميقاتي يضعه على نارٍ حامية، رغم انه أبلغ من التقاهم بأن وزير الداخليّة مروان شربل وعد بتسريع العمل في مشروع القانون؟». ويصل بعض المشككين به إلى حد التساؤل عما إذا كان رئيس الحكومة لا يزال يراهن على العودة إلى التحالف مع تيار المستقبل، علماً أن ميقاتي، في مقابل هذا الكلام، يسرّ لبعض المقربين منه أن «الآخرين ينظرون إليّ بناءً على تمنياتهم. وخلافاً لما يتمنونه، أنا لم أتحمّل مسؤولية رئاسة الحكومة للانقلاب على أحد».