يلتئم في تونس غداً مؤتمر أصدقاء سوريا، في محاولة إضافية لدعم المعارضة السورية وتوفير أوسع مساعدات لها على جبه نظام الرئيس بشّار الأسد، ومضاعفة الضغوط عليه لحمله على التنحّي. بيد أن ما يُتوقع انعقاده في تونس لا يُشبه ما يستمر حصوله داخل سوريا، وهو مضي الأسد، بدعم روسي صريح، في حسم أمني عنيف ضد معارضيه المسلحين. يستضيف مؤتمر أصدقاء تونس المعارضة السورية، وأخصّها المجلس الوطني السوري، من غير أن يُميّز بينها وبين المعارضة المسلحة التي تخوض مع الأسد أكثر من محاولة بقاء، بل الصراع على السلطة.
بيد أن أياً ممّن سيشاركون في مؤتمر تونس، لم يعترف بعد بمعارضة مسلحة داخل سوريا في موازاة أخرى سلمية يمثلها في الخارج المجلس الوطني من باريس ولندن والدوحة والرياض. لم يعترف هؤلاء أيضاً بمعارضة سورية واحدة، ولا أضفوا على المجلس الوطني شرعية دولية تجعله ممثلاً الشعب السوري بغية إسقاط تلك التي لا يزال يمثلها الرئيس السوري. لم يمنحوا معارضة الخارج، ولا الجيش السوري الحرّ، منطقة عازلة تتيح اقتطاع سيطرة الأسد على البلاد.
في ظلّ ثغر مكشوفة في علاقة الغرب والعرب بالمعارضة السورية، تحيلها غامضة مرة وملتبسة أخرى، لا يُنتظر من مؤتمر أصدقاء سوريا أكثر ممّا وفره حتى الآن تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة ضد نظام الأسد وإدانته العنف.
تحت وطأة تناقض حاد في مقاربة كل من واشنطن وروسيا أحداث سوريا والموقف من الأسد، يبدو الأميركيون الأكثر حماسة لمؤتمر تونس بغية انتزاع انتصار دبلوماسي إضافي ضد الرئيس السوري والروس في آن واحد بعد التصويت الأخير في الأمم المتحدة.
وتبعاً لمطلعين عن قرب على الموقف الأميركي، تقدّم واشنطن تقويمين متنافرين لما يجري في سوريا والتحرّك العربي والغربي حياله، وفي الوقت نفسه لموقفها من المعارضة والجيش السوري الحرّ. ويكمن هذان التقويمان في معطيات أبرزها:
1 ـــــ تتطلع الإدارة إلى مؤتمر تونس على أنه جزء من جهودها المستمرة مع أصدقائها وحلفائها والمعارضة السورية، لبلورة الخطوات التالية توصلاً إلى وقف «مذبحة الشعب السوري »، والمضي في تحوّل سوريا إلى الديموقراطية. وتتوخى الإدارة التركيز على تثقيل الضغوط على نظام الأسد من خلال عقوبات اقتصادية إضافية لزيادة العزلة الدبلوماسية لسوريا، وتلاحظ أن تأثير العقوبات هذه بدأ بالظهور. وترمي من مؤتمر تونس إلى اقتراح إجراءات جديدة من العقوبات وعناصر الضغط، في موازاة تقديم مساعدات إلى المعارضة.
2 ـــــ تنظر واشنطن إلى الهدف المباشر من مؤتمر تونس الذي تشارك فيه بتمثيل رفيع هو وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومساعدوها، وهو تعزيز دور المعارضة السورية وتوحيدها، وطرح أفضل الوسائل لتسهيل وصول المساعدات إلى الشعب السوري. إلا أن الإدارة تعمل، في الوقت نفسه، على نحو فاعل مع المعارضة السورية، مجموعات وشخصيات مستقلة، الملتزمة التحوّل السلمي نحو الديموقراطية والتعددية والدولة العلمانية التي يقبل بها الشعب السوري. ومن شأن مؤتمر تونس تقديم فرصة أخرى لمجموعات المعارضة للعمل معاً وتوحيد نظرتها إلى النظام الجديد الذي تريده لبلادها.
3 ـــــ لم تفصح واشنطن حتى الآن، على الأقل، عن إقرار بوجود معارضة مسلحة داخل سوريا، وإن تحدثت مراراً ـــــ من دون إجراءات جدّية ـــــ عن سبل تزويد المعارضة السلمية السلاح للدفاع عن نفسها في وجه العنف الذي يقابلها به النظام. وهي، إذ تتفادى الإقرار بوجود معارضة مسلحة، ترمي إلى تجنّب تداعيات الدعم الروسي لدمشق الذي أقر بالمعارضة المسلحة هذه، فبرّر للنظام لجوءه إلى العنف والقسوة لتصفية مناوئيه المسلحين. بذلك تهمل الإدارة أي موقف يستفيد منه الرئيس السوري في حملته العسكرية لتبريرها، وتحرص في الوقت نفسه على التحدّث دائماً وأكثر من مرة عن المعارضة السلمية، والتركيز على دورها في رسم مستقبل سوريا. وهي تلمس الآن، أكثر من أي وقت مضى، الفروق البارزة بين معارضتي الداخل والخارج، وبين أفرقاء معارضة الداخل القريبين من الحوار مع النظام والرافضين له بلا شروط مسبقة.
بيد أن أحاديث الدوائر المغلقة داخل الإدارة الأميركية، وفي وزارتي الخارجية والدفاع ولدى الاستخبارات، لا تنكر وجود مسلحين أضحوا جزءاً لا يتجزأ من النزاع الدائر مع النظام. ولا تخفي الإدارة قلقها من بطء مقدرة المعارضة السلمية على توحيد جهودها كي تكون جاهزة فعلاً لتسلم السلطة عند انهيار نظام الأسد. لا ترى مناصاً من انهياره، إلا أنها تنظر بحذر إلى قوة المعارضة المسلحة التي ستتمكن من الحلول محل الأسد، بدل المعارضة السلمية، عند سقوطه في استعادة حتمية لتجربة انتقال السلطة في ليبيا إلى المسلحين بعد مقتل زعيمها معمّر القذافي.
4 ـــــ على وفرة الجهود التي تبذلها في ممارسة الضغوط على نظام الأسد، تشعر واشنطن يومياً بأن دورها صغير في إحداث تطور كبير في سوريا، وهو يتضاءل أكثر. بالتأكيد يفضّل المسؤولون الأميركيون رؤية الأسد خارج السلطة، ولكنهم غير قادرين على الوصول إلى هذا الهدف في مدى قريب، ولا يسعهم إلا ابتكار مزيد من الضغوط عليه. تدرك واشنطن وحلفاؤها أنهم فشلوا في مجلس الأمن، إلا أنهم نجحوا في حمل الأمم المتحدة على تصويت 138 دولة ضد الرئيس السوري، وحمل هذا التصويت أكثر من دلالة: أولاها أنه أكبر ممّا توقعته الإدارة، وثانيها أنه أكد وقوف المجتمع الدولي بمعظمه تقريباً ضد العنف الذي يمارسه الرئيس السوري في بلاده. مع ذلك يتعذّر استثمار هذا التصويت أكثر من مغزاه المعنوي ليس إلا .
5 ـــــ تنظر واشنطن بقليل من الثقة إلى الجيش السوري الحرّ، وتعتقد بأنه قريب جداً من حركات ثوار منه إلى جيش نظامي، ولا يعدو كونه إلا صورة مطابقة للمسلحين الذين قاوموا الزعيم الليبي وأدت سيطرتهم على البلاد إلى وضعها بين أيدي ميليشيات، تتنازع النفوذ والسلطة ويبتز بعضها البعض الآخر بالمال. لا يجمع الجيش السوري الحرّ بسائر أطراف المعارضة في الداخل والخارج إلا العداء للنظام وللأسد،إلا أن ما يفرّق بينهم غياب التفاهم والتنسيق والتعاون، على نحو يُخشى أن يقود سوريا، بعد سقوط الأسد، إلى تعميم الفوضى فيها على الطريقة الليبية بسيطرة المسلحين الدائرين خارج فلك المعارضة السلمية.
6 ـــــ تتفق واشنطن مع الرياض والدوحة اللتين تقودان حملة إسقاط الأسد على الحاجة إلى أن يروا معاً نهاية الرئيس السوري التي تؤول حكماً إلى «تقزيم» إيران، التهديد الموازي للدول الثلاث هذه. وتقول واشنطن، في الاتصالات والتحرك المكوكي السعودي لديها، إن نظاماً كالذي يرأسه الأسد، مشابه للنظام الإيراني، لا بد من أن ينتهي. وبإزاء استعجال الرياض تسليح الجيش السوري الحرّ، تتساءل واشنطن عن سرّ برودة تركيا حيال تفاقم العنف في سوريا، وهي ـــــ كلاعب رئيسي في الأزمة السورية ـــــ لا يقوم بالكثير المطلوب منها.
مع ذلك، ليس بين المسؤولين الأميركيين مَن يسعه التنبؤ بحدود الخط الأحمر التي تحمل تركيا على تجاوزه من أجل التحرّك ضد النظام السوري. لا يمنع ذلك المسؤولين الأميركيين من ترداد عبارة قالها أمامهم دبلوماسي أوروبي عن الترّيث التركي وهو يتوقع بداية حرب أهلية في سوريا: تعتقد أنقرة أن النظام السوري بات كبيت من زجاج، لا بد من أن يتكسّر كله دفعة واحدة.
7 ـــــ تشير المراجعة المتأنية للإدارة لواقع الجيش السوري النظامي الذي لا يزال يدين بالولاء للأسد، إلى أنه لا يزال متماسكاً، ولا يبدو من السهولة بمكان تفكيكه كما حصل في ليبيا، عندما انفصلت عن الجيش الليبي مجموعات نظامية متكاملة بعديدها وعتادها. ترى واشنطن أيضاً أن الأشهر الطويلة المنصرمة من أحداث سوريا أظهرت فعلاً وجود جيش قوي يسيطر عليه الأسد وضبّاطه الكبار ويحفظون ولاءه للنظام والرئيس، في حين أنه لم يكن لليبيا، في واقع الأمر، جيش، بل فرقتان يقود كل منهما نجلا القذافي، إحداهما لخميس، والأخرى للمعتصم.



مشروع تعديل سن تقاعد قائد الجيش

أحال وزير الدفاع فايز غصن على الأمانة العامة لرئاسة الحكومة مشروع تعديل سن الخدمة لقائد الجيش وتعديل الرتب العسكرية عبر إضافة رتبة «عميد أول». ويرفع المشروع سن تقاعد قائد الجيش إلى 62 عاماً، على أن تُمنح رتبة «عميد أول» حصراً لكل من مدير استخبارات الجيش ومدير التوجيه ونواب رئيس الأركان ورئيس الغرفة العسكرية في وزارة الدفاع.
وكان من المفترض أن يُطرح المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء لولا تعطل الجلسات. وتشير أوساط معنية بالمشروع إلى أن مجلس الوزراء سيوافق عليه، بعدما توافرت موافقة أكثرية مكونات الحكومة عليه، مع وجود احتمال خضوعه للتعديل في مجلس النواب، لتشمل رتبة «عميد أول» ضباطاً من الأجهزة الأمنية الأخرى، كقادة الوحدات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وأعضاء مجلس قيادة المديرية للأمن العام، ونائب المدير العام لأمن الدولة.