المشهد هو ذاته. الخوف والرعب هما ذاتهما. أهالي الضاحية، والرويس تحديداً، عاشوا مجدداً أمس، مع الصور المتلاحقة من انفجاري طرابلس، لحظات الانفجار الذي استهدفهم منذ أسبوع فقط. شاهدوا على شاشات التلفزة، لحظات ما قبل الانفجار. كيف كان الطرابلسيون ينصتون بسلام لخطبة يوم الجمعة في جامعي التقوى والسلام، ثم حدث الانفجار. شاهدوا اللحظة التي تطايرت فيها بعض الأجساد.
شاهدوا اللحظة التي تجزّأ فيها من كانوا أقرب إلى السيارة المفخّخة، وتحوّلوا إلى أشلاء. وشاهدوا، هم الناجون من الكارثة، وجوه أولئك الذين يشبهونهم. وجوه الخائفين، التائهين الذين حاولوا بداية الركض في كلّ اتجاه ليحموا أنفسهم، ثم ركضوا صوب موقع الكارثة ليساعدوا من أصابته النيران. أهالي الضاحية أمس، عاشوا مصيبتهم مجدداً. ليس فقط هذا، بل إنّهم مع تفجيري طرابلس أمس، تأكّدوا أنّ الوضع أخطر ممّا ظنّوا. أنّ هناك من يريد الفتنة الآن. الحرب والموت الآن. فليتحول لبنان إلى عراق آخر الآن. ها هي الفتنة تأتي بفجاجة الموت. الأسبوع الماضي في الضاحية وأمس في طرابلس. وغداً أين؟
عليا تقطن بمحاذاة مربّع الانفجار في الرويس. أمس فاجأها اختيار مكان الانفجار. فما كانت تنتظره في الضاحية ظهر في طرابلس أمس. شعرت بأنّ الدوّامة تكبر، أنّ البلد يتحوّل إلى النموذج العراقي. فها هم الشيعة والسنّة يُستهدفون، ليتّهم كل منهما الطرف الآخر بالوقوف خلف التفجير في منطقته. وتبتلع بعدها انفجارات الفتنة الناس على الطرقات التي تمارس عليها حياتها، بينما يتفرّج المخطّط علينا، وعلى وجهه ابتسامة رضا عريضة. في عيد الفطر الأخير كانت عليا تزور أصدقاءها في طرابلس. حزنت على مشهد المدينة البعيد عن حيويّته المعتادة، خاصة أيام العيد. تجادلت مع أحد الباعة حول غلاء أسعاره، سألته: «هل هذه طرابلس أم الفقير؟ سأعود لأشتري أغراضي من صبرا». أجابها يومها البائع: «لا أحد يجرؤ بعد اليوم على دخول صبرا أو الضاحية لشراء أيّ شيء. ألم تسمع بالحواجز الأمنيّة التي تملأ الضاحية؟» لم تكن يومها هناك حواجز أمنيّة في الضاحية، لكن البائع كان يحاول بيع بضاعته وهو لا يعرف أنّ عليا من سكّان الضاحية. الخوف الكبير استحوذ اليوم على قلوب أهل الضاحية وطرابلس واللبنانيين عموماً. محمد الذي كان بعيداً أمتاراً قليلة فقط عن انفجار الرويس، والذي كان من أول من شاهدوا الجثث والناس التي تستغيث في الطرقات، عاش تلك اللحظة مجدداً. منذ ذلك اليوم لم يغمض له جفن على شهداء الضاحية، واليوم اضطرّ إلى أن يحفظ صور شهداء جدد. من أين يأتي النوم الآن؟ من أين يأتي الشعور بالأمان الآن؟ عليا تقول إنّ الانفجار التالي سيعود ليضرب الضاحية. سيحاولون ضربها أكثر من قبل، حتى يقولوا إنّ السنّة يردّون على تفجير طرابلس بسيارة مفخّخة أخرى في الضاحية. وهكذا دواليك. هل توقف القوى الأمنيّة هذه السلسلة؟ هل توقف هذا الموت الذي يتربّص بنا على الطرقات؟ سهى فقدت معظم أجزاء منزلها في انفجار الرويس. وهي تشاهد انفجار طرابلس على شاشات التلفزة. أمس شعرت أكثر من السابق بأنّ الخطة مستمرة. من بدأ بالضاحية سيكمل مسلسل الفتنة. الخوف أصبح أكبر الآن. الخطة أصبحت واضحة لا لبس فيها. يريدون للناس أن تحترق بنار الفتنة. علي أيضاً عاش لحظة انفجار الرويس عن قرب. في الصور الآتية من طرابلس لم يشاهد فقط صور الانفجار ذاتها، بل أيضاً دهشة رجال الإطفاء وغياب الدولة ذاته. يضيف علي «لكل منطقة خصوصيتها. لذلك هم يعرفون أين يضربون. ضربوا أماكن الازدحام السكّاني ليقتلوا أكبر عدد ممكن من المدنيين».
بعد تفجيري طرابلس تأكّد أهل الضاحية أنّ الموضوع ليس فعل وردّ فعل، بل إنّهم وأهل طرابلس ضحيّة اللّعبة القاتلة ذاتها. وهم اليوم أكثر من شعر بخوف وألم الفقدان الذي شعر به الطرابلسيون، وهم يعيشون حدادهم اليوم بالألم ذاته الذي حلّ عليهم الأسبوع الماضي.