المخلّص الأبيض في بيتناعندما يتحدث الغرب عن تحرير المرأة فهو يعني بذلك ما يعنيه لدى الحديث عن تحرير الأسواق، أي غزوها، هنا، يصبح جسد المرأة - والمجتمع معها - مجرّد جبهة للغزو والسيطرة من قبل الرجل الأبيض، أو مجرد مدخل للوصاية والتحكم الاستعماري.
في الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي شاهدٌ ذو دلالة. من بين كل اللوحات الاستشراقية لقصبة الجزائر من بعيد أو قريب، من البحر أو داخل الأزقة لرجالها أو لنسائها، كانت المناظر الداخلية لباحات المنازل العربية أكثر ما أثار غرائز الفرنسيين، بحسب الباحثة زينب شيليك، لأنها كانت تعني للفرنسيين أنهم تمكّنوا أخيراً من هدم آخر جدار خصوصية للجزائريين، أي أنهم غزوهم من الداخل… اعتقد الفرنسيون وقتها أن هذه الرسومات تعني أن السيّد الأبيض بات يمكنه الجلوس في باحة المنزل وإملاء رغباته على أهله، يحلّل ويحرّم في المسائل الشخصية، ويفتي بالقتال بين الإخوة ويحرّمه ضد نفسه.
من هنا تأتي أهمية قضايا المرأة والحريات الجنسانية بالنسبة إلى الغرب. فهي مدخله إلى كل منزل في المقام الأول، كما أنها تُطرح بأكثر شكل خلافي ممكن لتوليد استقطاب اجتماعي متطرف، كما هو مطلوب في الحرب الإدراكية. وثالثاً، هي نبعٌ لا ينضب للاستشراق بكل ما يحتويه من تلفيق وتصورات عن الشرق لا تنمّ إلا عن المخيّلة المريضة للرجل الأبيض (أبحاث هذه المنظمات ينتجها غربيون بعضهم لم يسبق له أن زار إيران، وأفظع الاتهامات مصدرها الصحافة الصهيونية، وتُنسب إلى إيرانيين مجهولي الهوية) كما يظهر في أدبيات منظمات مثل Small media وJustice for Iran.

البحث عن ضحية
في كتابيْه «اشتهاء العرب» و«الإسلام في الليبرالية»، يتحدث جوزيف مسعد عمّا يسميه النسوية الغربية البيضاء البروتستانتية والمثلية العالمية كأدوات للتماهي. والتماهي (Assimilation)، هنا، هو إحدى تقنيات الإخضاع والإبادة الثقافية الاستعمارية الغربية.
يمكن القول إن هاتين القضيتين هما تفويض جديد من الغرب لذاته، بعقدٍ اجتماعي (علينا، وبينه وبين نفسه)، سمّاه روديارد كيبلينغ عبء الرجل الأبيض. أهم ما في هذا العبء هو أنه علينا كضحايا للاستعمار وجرائمه أن نشكر الرجل الأبيض لتحمّله تكاليف رسالته الحضارية هذه. بل أكثر من ذلك، وبمعية المنظمات الغربية، تُربى طبقة من المتنوّرين تناشد الغرب استعمال كرباجه ضد أبناء جلدتها لتأديبهم وتربيتهم. المسألة، بالنسبة إلى هؤلاء المقتنعين فعلاً بحاجتهم إلى الرجل الأبيض وحضارته وعبئه، أشبه بالـgrooming، حيث يقنع المتحرش ضحاياه من الأطفال بأن اعتداءاته هي لمصلحتهم.
خلال الحرب الباردة، بحسب مسعد، تميّزت النسوية الشرقية الاشتراكية عن تلك الغربية. الأولى وضعت تحرر المرأة كقضية تخدم تحرر المجتمع وكجزء من النضال العالمي لتحرّر الشعوب المضطهدة، فيما وظفت النسوية الغربية نفسها منذ البداية في خدمة أجندات الاستعمار الكلاسيكي حتى يومنا هذا، ولا تزال تضع نفسها في خدمة استعمار ما بعد الاستعمار. أما في الصين اليوم، حيث تتمتع النساء بكامل الحقوق وما من شمّاعة حجاب للاستهداف من خلالها، فتُتهم الحكومة الصينية بإجبار نساء الإيغور على الرقص (علماً أن الرقص جزء من الإرث الثقافي للإيغور)، وتُشيطَن لمكافحتها الحركات الانفصالية ذاتها التي كانت أميركا تصنفها حركات إرهابية.
في أوغندا، عمل المبشّرون الأميركيون لسنوات على تحريض الرأي العام ضد المثلية التي لم تكن، بالنسبة إلى ذلك البلد، قضية رأي عام قبل مجيء المبشّرين الذين تسببوا بتعديل القانون لتصبح عقوبة المثلية الإعدام. بعدها، انقضّت المنظمات الليبرالية الأميركية والغربية لشيطنة أوغندا وشنّ الحملات ضدها.
عمل المبشّرون الأميركيون لسنوات على تحريض الرأي العام الأوغندي ضد المثلية ليعودوا لشيطنة أوغندا وشنّ الحملات ضدها


ما نحاول قوله هنا، إن هناك ضرورة غربية لتجديد تفويض عبء الرجل الأبيض، والموضوع يحتاج إلى ضحية لا شكل واضحاً لها: يمكن أن تكون متحرّرة في مجتمع محافظ أو محافظة في مجتمع متحرر. المهم أن توضع في مواجهة مجتمعها لتبرير الوصاية الاستعمارية والتدخلات الإنسانية والعسكرية وفرض الحصار وفتح الأبواب للثورات الملوّنة. وإن لم تكن هذه الضحية موجودة وجب خلقها كما هي الحال في أوغندا… وبطبيعة الحال، قد تكون الضحية رجلاً أو امرأة، المهم أن يوظف الاضطهاد الاجتماعي المبني على «النوع الاجتماعي».
التركيز على هذا النوع من الاضطهاد ليس اعتباطياً. الفكرة، هنا، مبنية على الابتزاز العاطفي للتعمية على قضايا ومظالم أكبر تتعلق بالاستعمار وجرائمه من قتل ونهب وإبادة، مثلاً، لطالما غطّى كيان العدو جرائمه تحت راية أنه «جنة المثليين» الوحيدة في هذه المنطقة «الظلامية» من العالم. والحقيقة أن مصطلح «الغسيل الوردي» جاء لتوصيف هذه السياسة تحديداً. في هذا السياق، يصبح الاضطهاد المبني على «النوع الاجتماعي» مبرّراً للتطبيع، بل وللعمالة أيضاً، كما يحاول فيلم «صالون هدى» أن يقول لنا.
بالنسبة إلى الناشطات الإيرانيات اللواتي يدّعين الدفاع عن المرأة، لا داعيَ للمقدمات الدرامية للتوطئة لممارسات كهذه. فقد وقعن، منذ البداية، في أحضان العدو الأميركي الذي يحاصر بلادهن، ويشاركن في القمم والمنتديات الدولية الداعية لمزيد من العقوبات والحصار والعدوان. قمة جنيف النسوية التي تقودها منظمة UNWatch الصهيونية، شاركت فيها أسماء مثل نازانين بونيادي ومسيح علي نجاد من بين كثيرات فوّضهن الغرب اختطاف صوت المرأة الإيرانية والتحدث باسمها.

علينا أن نقتل الضحية لإنقاذها
«من أنقذته أميركا؟»، سؤال مهم طرحه الزعيم الراحل فيديل كاسترو. في الحقيقة، هناك عشرات الملايين ممن أنقذتهم أميركا. ولكنهم، بطريقة أو أخرى، انتهوا ضحايا هذا الإنقاذ، ولن نجد أخبر من النساء الأفغانيات بذلك. فقد أنقذهن الأميركيون في المرة الأولى، مرة من السوفيات وجامعاتهم بدعم المجاهدين، وعادوا لإنقاذهن مجدداً من المجاهدين بحرب دامت عقدين، ثم ما لبثوا أن تركوهن والبلاد في عهدة طالبان، ليتكفّلوا بتحريرهن عن بعد باستخدامهن كحجة لحصار البلاد.
احتوت إيران الفوضى، وجمّدت عمل شرطة الأخلاق، وسحبت ذريعة من ذرائع عدة قد تُستعمل في أي وقت. لكن صناعة الضحايا سوق غرائزية بحاجة إلى تصعيد مستمرّ للحفاظ على الزخم كما رأينا في ظاهرة تسميم مدارس الفتيات. لهذا، فإن الضحايا (النساء) اللواتي يريد الغرب إنقاذهن هنّ اليوم في خطر أكثر من أي وقت مضى.