في معرض تناول «الأخبار» ملف التمويل الذي يُضَخ في لبنان بموجب هبات من المانحين الدوليين، من خارج مؤسسات الدولة ورقابتها، سبق تناول هبة مشروع B5 التي قدّمها البنك الدولي ضمن مشروع 3RF، أو ما يُسمى مشروع «إعادة الإعمار والتعافي والإصلاح» الذي أُقِرّ العام الماضي (راجع ملف «المانحون للدولة المفلسة: الأمر لنا»، الإثنين 25 تموز 2022). وكما بات معلوماً، جرت شرعنة تلقّي شركة «كفالات» الهبة المقدَّمة من البنك الدولي بشكل مباشر من دون المرور بوزارة المالية أو أي هيئة حكومية، بحجة الفساد في مؤسسات الدولة. حاولت «الأخبار» التواصل مع شركة «كفالات» عبر رئيس مجلس إدارتها مديرها العام الدكتور خاطر أبي حبيب لاستيضاح آليات صرف أموال مشروع B5 والأسس التي على أساسها اختيرت مؤسسات التمويل الأصغر التي حصلت على الأموال، ووفق أي معايير تجري عملية صرف الأموال للمؤسسات والجهات المستفيدة.قبل التطرّق إلى إجابات إدار ة «كفالات» على أسئلة «الأخبار»، لا بدّ من التوقّف عند مسألة تقع في صلب الملاحظة الأهم من وراء صرف التمويل الأجنبي بطرق التفافية على القوانين المرعية الإجراء في لبنان، فقد نفى أبي حبيب في حديث قصير مع «الأخبار» أن تكون «كفالات» شركة اقتصاد مختلط، ما يعني أنّ الشركة غير مُلزَمة الإجابة على كل الأسئلة التي طرحتها «الأخبار» استناداً إلى القانون الرقم 28/2017 (قانون حق الوصول الى المعلومات)، مشيراً إلى أنها «شركة مالية مساهمة (SAL)، تخضع لأنظمة ورقابة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف». إلا أن أبي حبيب توقف عن الرد على الاتصالات والإجابة عبر البريد الإلكتروني لدى إشارة «الأخبار» إلى أنّ «هيئة التشريع والاستشارات» في وزارة العدل أكّدت، بتاريخ 14/07/2021، رداً على استفتاء جهة حكومية حول جواز تلقي «كفالات» هبة مشروع B5 بشكل مباشر، أنّ «كفالات» تُصنَّف «شركة اقتصاد مختلط». ولم يوضح أبي حبيب أسباب توقّفه عن الإجابة على الأسئلة، بما يخالف القانون الرقم 28/2017، علماً أنّ «الأخبار» استمهلت إدارة «كفالات» مهلة الأسبوعين التي ينصّ عليها قانون الحق بالوصول إلى المعلومات للرد على الأسئلة والاستفسارات الصحافية.

إعداد: رند وهبة | أنقر على الرسم البياني لتكبيره

وكان أبي حبيب في ردّه الأولي على رسالة «الأخبار»، بعد الإشارة إلى أنّ «كفالات» ليست شركة اقتصاد مختلط، قد أجاب على بعض الأسئلة بأن «كفالات» بدأت بالحصول على التمويل من البنك الدولي والدول المانحة ابتداءً من 1 تشرين الثاني 2021، وبدأ تنفيذ مشروع B5 لتوزيع الهبات على المستفيدين في مدينة بيروت (كتعويضات عن خسائرهم إبان انفجار المرفأ) في كانون الثاني 2022، مع الإشارة إلى أنّ صرف الأموال عبر مؤسسات التمويل الأصغر بدأ في أواخر آذار 2022. وأفاد بأنّ أربع مؤسسات تمويل أصغر «تمّ اختيارها حسب الشروط الموضوعة من البنك الدولي» للحصول على التمويل، من دون أن يكشف عن الآلية والأسباب التي أفضت إلى اختيار هذه المؤسسات لا غيرها، مكتفياً بالإشارة إلى أنّ «الطلبات استُقطِبَت وبَتَّت بها شركة إيطالية متخصّصة اختارها البنك الدولي». وأشار مدير «كفالات» إلى أنّه «وُزعت حتى الآن مساعدات من خلال شركة كفالات (Retail) ومؤسسات التمويل الأصغر (Wholesale) تساوي 30% من مبلغ الـ 18.5 مليون دولار أميركي المخصَّصة لها. أما مبلغ الـ 5 ملايين دولار الذي ستستفيد منه مؤسسات التمويل الأصغر، فلم يحن بعد وقت تسليمه من البنك الدولي». وأشار أبي حبيب إلى أنّ «عدد المؤسسات الاقتصادية التي استفادت حتى الآن من المنح بلغ 901 مؤسسة والعدد يرتفع أسبوعياً»، مشيراً إلى أنّه «من غير المسموح لنا بحسب الاتفاق الموقَّع الإفصاح عن أسماء المستفيدين».
بحسب المدير العام لـ«كفالات»، حصلت على التمويل كل من شركات التمويل الأصغر: «جمعية التضامن المهني AEP»، «الجمعية اللبنانية للتنمية - المجموعة»، «شركة إبداع»، و«مؤسسة فيتاس»، لكن من «ليس مسموحاً الإدلاء بتفاصيل التمويل الذي تمّ تحديده» لكلّ شركة من هذه الشركات الأربع. وفي ظل عدم إفصاح مدير شركة «كفالات» عن معلومات تفاصيل التمويل التي ينص القانون على الإفصاح عنها عند طلبها، أشار أبي حبيب إلى أنّ «المستفيدين من الهبات عبر مؤسسات التمويل الأصغر هم المؤسسات الاقتصادية غير الرسمية (ليست شركات مساهمة، محدودة المسؤولية أو تعاونيات على سبيل المثال)، وليس هنالك تحديد للاختصاصات أو الفئة أو الطابع الاجتماعي». وبالتقصّي عن التصنيف القانوني للمؤسسات الأربع المذكورة أعلاه، يتبيّن أنّ كلاً من «جمعية التضامن المهني AEP» و «المجموعة» مصنّفتان كجمعيات أهلية لا تبغي الربح، فيما مؤسستا «إبداع» و«فيتاس» مؤسستان ماليتان تبغيان الربح. وبالنظر إلى خلفيات المؤسسات الأربع ومن يقف وراءها، يتّضح أنّ أبرز مالكي أسهم شركة «إبداع» هم «برنامج الخليج العربي للتنمية – أجفند» المملوك من قبل ورثة الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود والنائب السابق نعمة طعمة ورئيس شركة «سوكلين» ميسرة سكر، وشركة «فيتاس» يملك 49% من أسهمها «بنك سرادار» لصاحبه ماريو سرادار وشركاؤه في الملكيةCHF Development Finance International الأميركية التي تتلقّى دعماً مالياً من USAID. أما بخصوص «المجموعة»، فيرد في بيان العلم والخبر لتأسيسها أنّ ماريو سرادار من مؤسسيها، ويديرها حالياً رمزي الحافظ نجل رئيس الوزراء الأسبق أمين الحافظ ويوسف محمد فواز، فيما تملك «جمعية التضامن المهني AEP» جمعية «الحركة الاجتماعية».
ركّز إنشاء نسخة أوروبية من الصندوق الوطني للديمقراطية الأميركي على تمويل المجتمع المدني المعارض ووسائل الإعلام


يُذكر أنّ المؤسّسات الأربع جميعها تملك عضوية في «جمعیة مؤسسات التمویل الأصغر» التي تأسّست عام 2015 ويرأسها وزير المال يوسف الخليل. . ويكشف تقرير صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعد الأزمة المستمرة في لبنان منذ عام 2019، أنّ «جمعیة مؤسسات التمویل الأصغر» في لبنان أُنشِئَت بدعم من وكالة USAID لتستوعب تسع مؤسسات تمويل أصغر ضمن تجمّع واحد، في مقابل مؤسسة جمعية القرض الحسن، التي يعترف معدّو تقرير USAID أنّها تستحوذ على القسم الأكبر من سوق التمويل الأصغر في لبنان. تجدر الإشارة إلى أنّ غالبية مؤسسات التمويل الأصغر المذكورة أعلاه مملوكة إما لمصارف لبنانية كجمعية «إمكان» التابعة لتيار المستقبل، أو لشخصيات سياسية كمؤسسة «مخزومي» التابعة للنائب فؤاد مخزومي و«جمعية إنماء القدرات في الريف» التابعة لوزير المالية يوسف الخليل، أو للكنيسة المارونية كـ «الجمعية التعاونية للإنماء».