أُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة مشروع «الخطّة الإنقاذية للضمان الاجتماعي». تتضمن الخطّة تعيينات جزئية في مجلس إدارة الضمان، وتعيين رئيس وعضوين للجنة الفنية في الصندوق. سبب التعيينات الجزئية هو أن أصحاب العمل سمّوا عشرة ممثلين منهم إلى مجلس الإدارة، فيما سمّى وزير العمل ستة ممثلين للدولة، لكن الاتحاد العمالي العام الذي تهيمن «أمل» على قراره، يرفض منذ ثلاثة أشهر تسمية عشرة ممثلين عن العمال، حتى لا يفوز التيار برئاسة المجلس وبرئاسة اللجنة الفنية، وحتى لا يفوز حزب الله بممثلين في مجلس الإدارة. الكل يتعامل مع صندوق الضمان باعتباره واحداً من المؤسسات الأهمّ لاستمرارية الزبائنية من دون أي اعتبار للإفلاس الذي ضربها بعمق.تعود قصّة التعيينات في الضمان إلى الأيام الأولى لتأليف الحكومة. يومها كان وزير العمل مصطفى بيرم، يستقصي فكرة إنجاز ما في الصندوق. سرعان ما تبيّن له أن مجلس الإدارة شبه معطّل بسبب الاستقالات والوفاة بين أعضائه إلى جانب الغياب الدائم لبعضهم. صعوبة تحقيق النصاب، تزامنت مع أزمة مالية عميقة في الصندوق، واستشراء الفساد والزبائنية. فولاية اللجنة المالية في الصندوق منتهية منذ نحو سبع سنوات، وولاية مجلس إدارة الضمان منتهية منذ أكثر من 10 سنوات، ومنذ سنوات عدّة لم يكتمل جهاز الرقابة الداخلية (اللجنة الفنية) قبل أن تشغر مقاعده بشكل كامل منذ أشهر، ولا جهاز مراقبة خارجياً يدقق حسابات الصندوق منذ 2010.
بهذه الخلفية، حاول كل وزراء العمل إنجاز التعيينات في الضمان. وآخر هذه المحاولات بدأت مع تولّي مصطفى بيرم وزارة العمل. وجّه بيرم رسائل إلى هيئات أصحاب العمل وإلى الاتحاد العمالي العام، أي لكل الذين يفترض بهم بحسب القوانين المرعية تسمية ممثلين إلى مجلس الإدارة. كما أجرى بيرم اتصالاته مع القوى السياسية من أجل تسمية 6 ممثلين للدولة في المجلس أيضاً، اختيروا وفق الأعراف الطائفية والمذهبية، علماً بأن أصحاب العمل تردّدوا في البدء، لكنهم سارعوا لاحقاً إلى تسمية 10 ممثلين لهم في المجلس اختيروا أيضاً قطاعياً ووفق التوزيع الطائفي. لكن وفق مصادر عمالية، فإن الطرف الوحيد الذي رفض تسمية ممثليه إلى المجلس هو الاتحاد العمالي العام الذي يفترض به وفق القوانين، تسمية 10 ممثلين يختارون أيضاً قطاعياً وطائفياً. وتعزو المصادر، سبب رفض الاتحاد تسمية ممثلين له في المجلس، إلى قرار اتخذه رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعدما استشعر خطراً من جهتين على المؤسّسة التي تهيمن «حركة أمل» على قرارها منذ عقود؛ من حزب الله أولاً، بوصفه منافساً على المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية ولا سيما أن الحزب سمّى شخصين اثنين لمجلس الإدارة محل عادل عليق وفضل الله شريف، بعدما سمّى مدير الإحصاء وأساليب العمل. ومن التيار الوطني الحرّ ثانياً، بوصفه منافساً على المقاعد المخصّصة للمقاعد المسيحية في الضمان، إذ أصرّ التيار على أن يسمّي رئيس مجلس إدارة الضمان إلى جانب عدد من الأعضاء، وإلى جانب تسمية ميراي خوري رئيسة للجنة الفنية. فكما هو معروف «أمل» تسيطر منذ عقود على الضمان بسبب سيطرتها على المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام، وكان لديها حصّة وازنة في تعيينات ممثلي الدولة، فضلاً عن حصّة أخرى في ممثلي أصحاب العمل، أي أنها تطالب بحصّة أكبر في مواقع القيادة في الضمان.
عندما كشفت أمل عن رفضها لتسمية خوري في الجهاز الرقابي الأساسي في الضمان، أي الذي يفترض أن يراقب كل أعمال المدير العام محمد كركي، تدخّل عدد من رجال الدين المسيحيين مع الرئيس برّي مباشرة، فوعدهم بالموافقة على خوري، لكنه لم يقدّم أي وعد بالموافقة على مروان الزغبي رئيساً لمجلس إدارة الضمان.
حركة أمل ترفض أن يسمّي التيار الوطني رئيس مجلس الضمان=

وكان لافتاً أن «أمل» أوفدت المدير العام للضمان، إلى وزير العمل للتفاوض معه على عضوي اللجنة الفنية. كركي اقترح أن يكون مساعده الأقرب محمد خليفة هو العضو الشيعي للجنة، بدلاً من المستشار المالي حسن دياب. هذا الأخير مستقلّ سياسياً عن الجميع خلافاً لخليفة الذي لا يفترض أن يشغل موقعاً رقابياً كونه يشغل عدّة مناصب بالوكالة في الضمان عيّن فيها بناء على توصية أو اقتراح من المدير العام. وحتى يكتمل المشهد، زار أمس المدير العام للضمان يرافقه مسؤول النقابات في حركة أمل علي حمدان ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، الرئيس بري بحضور النائب علي حسن خليل. مساء تسرّب أن برّي أبلغ زائريه بأنه اتفق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تطيير تعيينات الضمان.
عملياً، تعاملت الأطراف المعنية مع تعيينات مجلس الضمان، قبل الانتخابات النيابية كما بعدها. أي تقاسم الحصص والمقاعد والتنافس على النفوذ ولعبة النكايات. واللافت أن الضمان الذي كان يغطّي في فرع ضمان المرض والأمومة نحو 85% من قيمة فواتير الطبابة و90% من فواتير الاستشفاء، لم يعد بإمكانه تغطية أكثر من 20% كحدّ أقصى من قيمة هذه الفواتير. الإفلاس وضعه على سكّة ذوبان أكثر من 12 ألف مليار ليرة من أموال فرع نهاية الخدمة مودعة لدى المصارف بقيمة تعادل 8 مليارات دولار، وباتت توازي اليوم 400 مليون دولار إذا كان الضمان قادراً على الوصول إليها وسحبها من المصارف لتحويلها.
ما يحصل في الضمان، كأن الانتخابات النيابية لم تحصل قط، ولم تفرز توازنات جديدة، ولم تكشف عن وجود جمهور اعتراضي واسع يريد الإصلاح في أمّته.