نسبة المتردّدين في إعلان موقفهم الانتخابي لا تزال مرتفعة في كل استطلاعات الرأي، بما فيها تلك التي جرت في الأسبوع الأخير. المتردّد هذا لا يعني أن المستطلَع مقاطع حكماً، أو أنه ليس صاحب موقف. بل هو إمّا أنه لا يريد إشهار موقفه الآن، أو ينتظر تطوراً ما قبل اتخاذ قراره يوم غدٍ الأحد. لكنّ ارتفاع هذه النسبة سيكون له تأثيره على النتائج وعلى مصير مقاعد كثيرة.مع ذلك، يجدر بالجميع إدراك أن 15 أيار ليس الحدث الذي يقرر مصير لبنان، وأن هذه الانتخابات، على وجه التحديد، ليست الوسيلة لقلب الطاولة أو قلب النظام. بل هي مناسبة تتيح قياس المزاج العام الذي تبدّل كثيراً خلال الأعوام الأربعة الماضية.
حدث الأحد يمكن وضعه، ببساطة، ضمن سياق السجال حول الخيارات الفردية أو العامة عند اللبنانيين. لكنها خيارات غير كافية لنقل لبنان من ضفة إلى أخرى. ولا تعني حكماً سلطة من نوع مختلف. ولا تتيح بالتأكيد وضع دستور جديد للبلاد.
حدث الأحد سيُظهِر، مع الأسف، حجم الاحتقان لدى الناس من تحت، بكل خلفياتهم السياسية والطائفية والمذهبية والاقتصادية والطبقية والجندرية، إضافة إلى الذائقة الثقافية على ندرتها. وهو احتقان يسمح بتقدير أن لبنان جاهز للانفجار في كل لحظة. لكنّ الانفجار ليس محسوماً بحجمه أو طبيعته أو نتائجه. وما في ذاكرتنا الطريّة هو انفجار الحروب الأهلية على أنواعها، وهي حروب لا تنتج سوى الخراب والمزيد من الإحباط. والخشية أن يكون البعض في لبنان قد أوصله اليأس إلى تفضيل الحرب على الحوار والفوضى على الترميم.
صحيح جداً أن التصويب على المقاومة هو عنوان رئيسي عند غالبية القوى الخارجية التي تملك نفوذاً حقيقياً في لبنان. وهو عنوان لدى فرق ومجموعات وقوى لبنانية لا تريد المقاومة من أساسها. لا تريد فكرة المقاومة ولا هدفها ولا تحمّل كلفتها. ولم تكن تريدها منذ اليوم الأول. لكنها صارت تعارضها وتعاديها وتعمل ضدّها لأن الخارج المتضرّر من المقاومة قرّر معاقبة الجميع إذا لم يثوروا ضدّها. بهذا المعنى، فإن التحول في موقف معارضي المقاومة هو الانتقال من مرحلة اللامبالاة إلى مرحلة التصدّي للمقاومة خشية تعرّضهم لعقاب أولياء الأمر والنعمة في الخارج.
الصحيح، أيضاً، أن من سيخرجون غداً للتصويت دعماً للمقاومة، سيرفعون الإثنين السؤال المباشر في وجهها، طارحين مسألة الإصلاح


لكنّ الصحيح، أيضاً، أن في حدث الغد غضباً كبيراً على واقع السلطة القائمة. والسلطة، هنا، ليست عنواناً مجهولاً، بل هو واضح المعالم. بهذا المعنى، ستصاب المقاومة بطلقات كثيرة كونها تقف في مربّع يتواجد فيه فاسدون ممن لا يريدهم الناس. وفي هذه اللحظة، سيكون من الصعب على المقاومة تمييز نفسها بقوة. صحيح أن كل من يتهمون المقاومة بحماية الفساد إنما يُخفون حقيقة أنهم لا يريدون المقاومة أصلاً. وصحيح أن معظم من يهاجمون المقاومة لا يبادرون إلى أيّ فعل ضد الفاسدين الحقيقيين. لكنّ الصحيح، أيضاً، أن من سيخرجون غداً للتصويت دعماً للمقاومة، سيرفعون الإثنين السؤال المباشر في وجهها، طارحين مسألة الإصلاح.
لكنّ الحقيقة المؤلمة تتمثّل في أن الناس لا يزالون يستمعون إلى قوى وشخصيات ساهمت في قتلهم مرات ومرات خلال عقود. والحقيقة المؤلمة أن هناك مجموعات بشرية كبيرة في لبنان لا تزال تقبل بالسير خلف زعامات طائفية ومناطقية ومذهبية، كانت ولا تزال أصل البلاء في هذا البلد. وعلى الناس الذين اختاروا الوقوف مجدّداً أمام هذه الزعامات تحمّل مسؤولية أفعالهم، خصوصاً أن أقلّ الواجب هو الامتناع عن التصويت إذا لم يجدوا البديل المناسب. لكنّ استسلامهم لهذه الزعامات بحجة الخوف والخشية على الجماعة من الآخر، فعل انتهازيّ يمنع على صاحبه ادّعاء الرغبة بتغيير حقيقي في البلاد...
إلى ذلك كلّه، ثمّة حدث مركزي يُعطي الانتخابات معناها السياسي اليوم، وهو يتصل بقرار سعد الحريري، أقوى الزعماء السُّنَّة في لبنان، العزوف عن المشاركة في الانتخابات. هو حدث الغياب الذي لم يظهر أن في إمكان أحد، من مريديه أو منافسيه أو خصومه، تعويضه. وكلّ الأصوات التي ستصبّ في مصلحة مرشحين ينطقون بلسان الحريرية التفافاً، لا تعني شيئاً قابلاً للصرف طالما تمسّك الحريري بقراره. لذلك، فإن العنوان المُنصِف لانتخابات يوم غدٍ الأحد يبقى محصوراً في عبارة شديدة الصراحة: سعد الحريري الغائب الحقيقي!
أمر أخير، حتى لا يكون هناك التباس عند أحد. وهو أن الإثنين سيكون فعلاً يوماً آخر، وسيدخل اللبنانيون في دوّامة جديدة من القهر ريثما يصار إلى تركيب تسوية جديدة، ترعاها وتموّلها جهات خارجية، وتتيح هدنة جديدة بين اللبنانيين تجنّبهم المزيد من الويلات في زمن الحروب الكبرى. وكل من يعتقد أن هناك وسيلة للتعايش بغير الحوار، مجنون ومجنون ومجنون حتى ينقطع النفس!