وردت عدة مشاريع حول مستقبل الاتصالات في برنامج مؤتمر «سيدر»، مع رصد قروض لهذه المشاريع تبلغ قيمتها 700 مليون دولار. لا أحد في مركز القرار في الدولة اللبنانية (وزراء، مديرون عامون، أو مسؤولون في القطاع الخاص) يعرف لماذا أُدرِجَت هذه القروض، وما هي أهدافها، وما هي المشاريع المرتبطة بها، وبناءً على طلب أيٍّ من الجهات المعنية أُعِدَّت، وما موقع هذه القروض بالنسبة إلى العقود والاستثمارات التي أُطلِقَت منذ بداية عام 2017 والتي تستمر لغاية عام 2022، وتبلغ قيمتها هي أيضاً نحو 750 مليون دولار، وكيف ينسجم هذا القرض ـ الرقم، مع المشاريع والاعتمادات المالية التي رُصدَت وحُجزَت لذلك في موازنتي العامين 2017 و2018، وعلى أية مشاريع جديدة ستُوزَّع قيمة هذا القرض، وتحت إشراف أيٍّ من المسؤولين اﻹداريين، وفي أيٍّ من الوحدات الرسمية المعنية؟والغريب، أن أحداً من المهتمين بواقع ومستقبل قطاع الاتصالات في لبنان أو العاملين فيه، أو الذين يلتقون بالوزير المعني جمال الجراح، لم يسأل عن هذه المشاريع ولم يحاول أحد من هؤلاء معرفة ماهية القرض المطلوب من مؤتمر سيدر، وما هي المشاريع المرتبطة به، وما هي الأسباب الموجبة له، وبناءً على أي دراسات استراتيجية، ومن هي الجهة التي قامت بهذه الدراسات، وبناءً على طلب أي جهة؟ وهل لدى وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو وشركتي الخلوي والهيئة الناظمة للاتصالات والمسؤولين المعنيين مباشرة أية معرفة أو علم مسبق أو أية تفاصيل حول هذا القرض؟ وكيف يتلاءم ذلك مع الإنفاق الحالي والمشاريع الجديدة التي أطلقت خلال ولاية الحكومة الحالية؟
إن مشاريع البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية الخدماتية في الاتصالات في لبنان تتوزع باتجاهين:
1- في مجال الهاتف الخلوي، تغطي واردات شركتي تاتش دون أية صعوبات، استثمارية أو مالية، جميع تكاليف مشاريع البنى التحتية لهذا القطاع. وقد دأب الوزير الحالي على إطلاق استثمارات هائلة في هذا القطاع، تمول مباشرة من الواردات من دون إطلاع وعلم وموافقة ديوان المحاسبة أو إدارة المناقصات. وهناك عقود موقّعة ومموّلة لغاية عام 2022 وبدأ العمل على تنفيذها بقيمة إجمالية تقارب 320 مليون دولار تدفع مباشرة من واردات شركتي تاتش وألفا. وقد وافق الوزير جمال الجراح عليها، وكذلك وافقت عليها لجنة الاستثمار في الخلوي، وأُبلِغَت الشركتان بذلك منذ فترة طويلة، ووُقِّعَت العقود مع الشركات الموردة (هواوي وإريكسون ونوكيا وغيرها). وذلك مع احترام توزيع الحصص وتقاسم المغانم بين المرجعيات السياسية النافذة والشركات المساهمة.
سبق أن رصد 750 مليوناً لتمويل مشاريع في قطاع الاتصالات لغاية 2022


2- في مجال الهاتف الثابت، أُطلِقَت جميع المشاريع الضرورية وغير الضرورية، ولفترة تمتد لغاية عام 2022. وقد لُحظ التمويل اللازم لها في الموازنة العائدة لوزارة الاتصالات (المديرية العامة للإنشاء والتجهيز) وهيئة أوجيرو للسنتين 2017 و2018 من ضمن الموازنة العامة للدولة اللبنانية، التي وافق عليها مجلس النواب. وقد وقّعت هيئة أوجيرو العقود وإطلاق مشاريع البنى التحتية لتغطية الحاجات المستقبلية. وأعلن الوزير الجراح عن هذه المشاريع عبر الإعلام ومن السرايا الكبيرة أكثر من مرة. وتبلغ قيمة هذه المشاريع التي وُقِّعَت وأُطلِقَت نحو 450 مليون دولار، ويستمر تنفيذها لغاية عام 2023، مع توافر الاعتمادات العائدة لها وحجز هذه الاعتمادات مسبقاً في بنود الموازنة العامة.
في ضوء ذلك، لا أحد من المسؤولين الرسميين المعنيين مباشرة في قطاع الاتصالات في لبنان يملك جواباً، سواء الوزير الجراح، أو المديرون كلهم من دون استثناء. الجميع يعجز عن إعطاء أية شروحات أو تفاصيل عن القرض الوارد في مؤتمر «سيدر» والمتعلق بالاتصالات، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل مشروع القرض العائد لبند «الاتصالات» والمطروح ضمن برنامج مؤتمر «سيدر» هو نتيجة دراسات مستعجلة أُعدَّت في مكاتب المستشارين والاستشاريين «المنتفعين» بعيداً عن الإدارات الرسمية المعنية والمشغّلين المعنيين؟ وهل ينسجم ذلك مع الشعارات الرنانة التي أطلقها العهد الجديد والحكومة الحالية لجهة «الشفافية» و«الإصلاح» و«محاربة الفساد» و«إيقاف الهدر» و«عدم ازدواجية الإنفاق» و«ترشيد الإنفاق» و«احترام مسؤوليات الإدارات الرسمية» واحترام «مبدأ المسؤولية والمساءلة»، أم أن هذا القرض سيكون باباً جديداً من أبواب الاسترزاق السياسي والإثراء السياسي غير المشروع والتمويل السياسي للانتخابات، وذلك عبر عمولات مالية ضخمة لمشاريع وصفقات وسمسرات جديدة لا حاجة فعلية لها؟



65 مليون دولار بدل دراسات لم تنفذ
بلغ مجموع ما صرف منذ عام 1995 لغاية اليوم من قروض مالية مقدمة من الاتحاد الأوروبي لإعداد دراسات استراتيجية (على الورق فقط) لتطوير قطاع الاتصالات في لبنان وإعادة هيكلته وإنشاء النماذج العائدة لذلك وإنشاء شركة اتصالات لبنان والهيئة الناظمة للاتصالات وخصخصة قطاع الهاتف الخلوي واحتساب موجودات البنى التحتية للهاتف الثابت والهاتف الخلوي وتطوير الموارد البشرية المرتبطة به وتشكيلها، ما يقارب 65 مليون دولار. وقد حصل ذلك من خلال عقود موقعة مع كل من: مجلس الإنماء والإعمار، وزارة الاتصالات، المجلس الأعلى للخصخصة، الهيئة الناظمة للاتصالات، أو عبر شركات خاصة مثل كايبل إند وايرلس، ديلوات إند تاتش، إرنست إند يونغ، إيرو ستراتيجي، أرتور أندرسون، كاي بي أم جي، برايس واتر هاوس كوبر، كريدي سويس فيرست بوسطن، بوز ألان... وقد أنفقت كل هذه المبالغ، مع أكلاف فوائدها، على دراسات نظرية ورقية، من دون أية نتيحة فعلية، بل بقيت دراسات ورقية موضبة في أرشيف الإدارات المذكورة.