وحيداً كان يوسف شفيق سكاف، رئيس لائحة الكتلة الشعبية، أمام مدرسة عرابي في حيّ سيّدة النجاة في زحلة، صباح أمس. يمشي بهدوء، على الطريق العام المؤدية إلى مدرسة عرابي، مشغول بهاتفه. يسأله أحدهم: «مرحبا، إنت رئيس اللايحة؟». يبتسم، مجيباً بالإيجاب، قبل أن ينشغل من جديد بهاتفه بانتظار وصول رئيسة الكتلة ميريام سكاف لتقترع. في حيّ آخر، كان الكثير من «الزحالنة» ينتشرون على الطريق أمام أحد الأقلام الاقتراعية. رجال بنيتهم ضخمة رافقوا رئيس لائحة «إنماء زحلة»، المدعومة من الأحزاب المسيحية، أسعد زغيب في تنقلاته. خلفه كان «سندة الظهر» الوزير السابق سليم جريصاتي. مشهدان متناقضان يعكسان الكثير عن خلفيات «حصاني» المعركة التي دارت في زحلة أمس. افتقدت المعركة في أول النهار الحماسة الشعبية. باستثناء «الجيل الطالع» الذي زيّن سياراته، ونفض الغبار عن اللباس الحربي بألوانه وأعلامه، واستعاد أناشيد مضى عليها زمن، بدت غالبية أطياف المجتمع الزحلاوي غير مبالية بالاقتراع.
اتُّهِمَت لائحة فتوش بحجز بطاقات هوية ناخبين لقاء الأموال منذ شهرين
«المهندس» يجلس في مقهى «أبو حمرا» منذ ما قبل الثامنة صباحاً. يحرسها، بينما يتوجه مالكها إلى قلم الاقتراع للإدلاء بصوته، ولو أنّ لكل منهما توجهات سياسية متناقضة. هذا المكان الصغير يصح وصفه بـ«المطبخ السياسي». فبينما يتم تحضير علب الطعام الخاصة بالكتلة الشعبية، يجلس «المختار» المؤيد للائحة الأحزاب المسيحية برئاسة أسعد زغيب، ليسمع تحليلات «ابن البلد» المتأكد من اكتساح الكتلة الشعبية والسيّدة ميريام الياس سكاف لغالبية أعضاء البلدية. وما بين بين، يرفع صاحب القهوة اصبعه متوعداً: غداً (اليوم) سأشمت بالخاسرين. كلّهم محللون سياسيون. القاسم المشترك بينهم جميعاً اتفاقهم على غياب الحماسة في الشارع هذه الدورة، لعدّة أسباب؛ أبرزها: الشكّ بإمكانية تأجيل الانتخابات والتأخر في صرف الأموال الانتخابية وضعف إمكانيات الأحزاب على هذا الصعيد. يصل ابن حيّ البربارة بعدما أدلى بصوته: «صوّتنا بكير حتى ما يقولوا إنو ناطرين لبعد الضهر تا نقبض». فـ«العرف» في زحلة أنّ معظم الذين يقترعون قبل الثالثة من بعد الظهر هم من غير المرتشين. يروح الرجل ويجيء في المكان الصغير الذي يطغى عليه اللون الأحمر، متذكراً كيف أنه في «آخر مرّة صار في انتخابات بعتوا لقرايبي تذاكر سفر. انتخبوا وشافوا أهلن وانبسطوا تلات أربع إيام». هنا لا مناصرون للائحة «زحلة تستحق»، أي آل فتوش، «المتهم» الأول بـ«حجز بطاقات الهوية الشخصية للناخبين منذ قرابة الشهرين لقاء دفع المبالغ الماليّة». سهام «الرشاوى» الانتخابية لم ترحم الكتلة الشعبية، فأدّت إلى اشتباكات بين مناصريها ومناصري الأحزاب المعترضين على هذا «السلاح اللاشرعي». أكثر من «ضربة كف» سُجلّت في أحياء عدّة لهذه الغاية، قد يكون أبرزها ما حصل في حوش الأمراء والذي تكرر مرات عدّة خلال النهار. شبان «ينتمون إلى القوات اللبنانية اعتدوا على مركز الكتلة الشعبية بعدما تبين لهم دفع المبالغ المالية للتأثير على خيارات الناس، ما حدا بالجيش بعدها إلى مداهمة المكتب». السيّدة سكاف ردّت من حوش الأمراء على الاتهامات، بالتأكيد: «لا صحة للحديث أننا نقوم بشراء الأصوات، وأتمنى ألا تقع أي إشكالات». حاملة «الأمانة» بعد وفاة زوجها الياس سكاف، نجحت في وأد الحركات الاعتراضية عليها قبل ولادتها، وخاصة تلك التي كان يعمل عليها ابن عمّ الوزير الراحل، ميشال سكاف (المعروف بـ"ميمو"). الأخير قرّر أمام معركة الأحزاب، الانكفاء داخل «عشيرته» وكانت نسيبته تريده أن يظهر معها في الصورة «الوفاقية». تبدو واثقة من النصر وهي تسير برفقة ولديها إلى قلم الاقتراع. جُلّ ما كان ينقصها كان وجود «ميمو» في الصورة. «أين ميشال وناجي؟»، تسأل وهي تعتلي الدرج، رافضةً أن تُظهر بطاقة هويتها لرجل الأمن على المدخل. هذا الطلب، كلّفه وابل من النظرات الثاقبة من الرجال المرافقين لسكاف، التي حافظت على بسمتها. ناجي كان حاضراً مع السيّدة سكاف، ولكن شقيقه ميشال ظهر قبيل مغادرة سكاف بقليل. يتنقل بين الزحلاويين ويطرح، ساخراً، نظريات عن توأمة بين هولندا وبلدية زحلة.
لم تعد سكاف إلى مركز الكتلة الشعبية، إلا مع انتهاء التصويت. بقيت تتنقل بين المراكز، في وقت كانت فيه المسؤولة الإعلامية نيفين عزيز الهاشم وباقي فريق العمل يُتابعون مجريات العمليّة الانتخابية من المكتب. النائب إيلي ماروني أيضاً، لم يُغادر بيت حزب الكتائب إلا قليلاً بعد الظهر لشرب الأرغيلة مع أصدقائه من تيار المردة أو لعقد مؤتمر صحافي من فندق القادري. روزي ماروني، ابنة شقيقه نصري (الذي قُتِل في زحلة عام 2008، ويُتّهم مناصر لسكاف بقتله)، تأخذ على عاتقها «طمأنة» عمّها عبر ضخه بالأخبار: «دفع المال كثير كثير»، تقول له مصدومة. أما في ماكينة آل فتوش، فكان الحضور الأكبر للمناصرين. هؤلاء كانوا الأنشط على صعيد المندوبين وتوزيعهم على الأقلام الانتخابية، نقطة ضعف بقية الأحزاب. نظرية «الغريب» حضرت أمس في زحلة. الغريب هو المواطن الذي يسكن في بيروت «ولا نعرفه. البيروتي محمس والزحلاوي باقي ببيتو». فقد بلغت نسبة الاقتراع قرابة الـ41٪، وهي النسبة نفسها التي بلغت في انتخابات البلدية دورة 2010.