رام الله | لا توفّر حكومة الاحتلال جهداً في تسمين المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، عبر مسارات مختلفة، من بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، إلى تشريع البؤر العشوائية، ومصادرة الأراضي وشق الطرق، في ما يصبّ كلّه في مصلحة تعميق «دولة يهودا» هناك. وخلال الأيام الماضية، وعقب اجتماع «الكابينت» الإسرائيلي، حظي المشروع الاستيطاني بدفعة قوية، تمثّلت في المصادقة على مصادرة 12,7 كيلومتراً مربّعاً من أراضي الضفة، وهو ما يشكل الاقتطاع الأكبر منذ ثلاثة عقود، وفقاً لمنظمة «السلام الآن» غير الحكومية. وأوضحت المنظمة الإسرائيلية، في بيان، أن «مساحة المنطقة التي يشملها الإعلان هي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993»، لافتة إلى أن «2024 يُعتبر عام الذروة بالنسبة إلى إعلان مصادرة مساحات بعينها كأراضي دولة». ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن المساحات المصادرة تقع بالقرب من مستوطنة يافيت في غور الأردن، حيث عرضت حكومة الاحتلال تأجيرها للمستوطنين، على اعتبار أنها «أراضي دولة»، لترتفع مساحة الأراضي التي صادرتها إسرائيل، منذ بداية العام الجاري، تحت هذه الذريعة، إلى قرابة الـ23 كيلومتراً مربعاً.وإلى جانب ذلك، صادق «الكابينت» على تشريع خمس بؤر استيطانية عشوائية في الضفة، لتنضم إلى حوالى 23 بؤرة أقامها المستوطنون هناك منذ السابع من أكتوبر الماضي، وفقاً لما تفيد به «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» الفلسطينية، فيما تظهر معطيات «السلام الآن» أن 191 بؤرة استيطانية «عشوائية» أقيمت على أراضٍ فلسطينية، ولا سيما في الضفة، على مرّ السنوات الماضية، وأن ثمة 146 مستوطنة «قانونية» أقرّت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إنشاءها على أراضي الضفة أيضاً، منذ احتلالها إياها عام 1967. وبهذا، بلغ عدد المستوطنين هناك أكثر من 478 ألفاً، بحلول نهاية 2022، فيما يقيم أكثر من 230 ألفاً في مستوطنات مقامة على أراضي القدس الشرقية.
وفي خضم تلك التطورات الجديدة، شهدت منطقة نابلس، أول من أمس، اشتباكات بين المستوطنين وشرطة الاحتلال التي أخلت بؤرة «عوز تسيون»، بعدما أقام مستوطنون مبانيَ على أراضٍ فلسطينية خاصة، حيث أضرم هؤلاء النيران في إطارات وسيارة، ورشقوا الشرطة بالحجارة. ونقلت صحيفة «هآرتس» العبرية عن مصدر أمني، قوله إن «جهود الإخلاء لم تكن عادية، وقادتها الإدارة المدنية التابعة لوزارة الجيش بسبب عدم تنفيذ أوامر الإخلاء في الموقع لأكثر من عامين». كما نقلت عنه أنه «في ضوء الهجمات الإرهابية الأخيرة التي خرجت من هذه البؤرة الاستيطانية، فقد دفعت الأعمال التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، رئيس الإدارة المدنية إلى إخلاء المباني في الأسابيع الأخيرة، بهدف الاستمرار في الحفاظ على الضفة كمنطقة ثانوية».
تقترب إسرائيل من تحقيق هدفها الأول المتمثّل في زرع مليون مستوطن في الضفة الغربية


وليل الثلاثاء، توجّه مستوطنو البؤرة المذكورة إلى وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضاً منصب وزير في وزارة الجيش، وطالبوه بوقف عملية الإخلاء، وحذّروه من أنهم لا ينوون تسليم «عوز عتسيون»، زاعمين أيضاً أن سكان قرية برقة القريبة يحاولون إلحاق الأذى بهم، بما يشمل «الحرق المتعمّد وإطلاق الألعاب النارية والمتفجرات». وعلى هذه الخلفية، هاجمت النائبة اليمينية المتطرفة، ليمور سون هار مليخ، من حزب «عظمة يهودية» بزعامة إيتمار بن غفير، سموتريتش، قائلةً: «الآن أعرف أن الإدارة المدنية تحت سلطة الوزير سموتريتش هي المسؤولة عن الإخلاء العنيف. من المفترض أن تقوم الإدارة بمساعدة سكان يهودا والسامرة وليس الإضرار بهم».
لكن الإدارة المدينة، وتحديداً «لجنة التخطيط العليا»، أصدرت، عقب اجتماعات استمرّت ليومين، قراراً في شأن بناء 5300 وحدة في مستوطنات الضفة، على أن تتم الموافقة على تسويق 500 منها، موزّعة على مستوطنات: «ألون موريه» (186 وحدة)، «كريات أربع» (240 وحدة)، و«نيرا» (435 وحدة). وبحسب «القناة الـ12»، فإن الوحدات الاستيطانية الجديدة ستكون في مناطق إستراتيجية في الضفة، ومن شأنها أن تمنع اتصال مناطق فلسطينية بعضها ببعض، ليرتفع مجموع الوحدات الجديدة إلى أكثر من 24 ألفاً خلال عام ونصف عام. وتكاد تجمع وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن المصادقة على مخطّطات البناء الاستيطاني، هي جزء من تطلع سموتريتش إلى «سيطرة إسرائيلية كاملة» على الضفة، علماً أنها تتزامن مع انتقال صلاحيات المستشار القضائي لـ«الإدارة المدنية»، إلى مستشار قضائي آخر في وزارة الأمن يخضع لإمرة وزير المالية، الذي يعمل على تسريع مخطّط توسيع شوارع استيطانية في أنحاء الضفة. وتقع الأراضي المصادرة في منطقة حساسة وإستراتيجية، تعزّز من سيطرة الاحتلال على السفوح الشرقية للضفة، وتحديداً تلك الملاصقة منها للأغوار وشفا الأغوار، وهي منطقة دائماً ما أعلنت إسرائيل استحالة التخلّي عنها أو الانسحاب منها تحت ذرائع أمنية، في وقت ضخّت فيه استثمارات اقتصادية كبيرة هناك، وشجّعت المستوطنين على الاستثمار وإقامة مشاريع زراعية كبيرة فيها.
ويتّضح، وفقاً لآخر الإحصاءات المتعلّقة بالاستيطان، حثّ إسرائيل الخطى نحو تحقيق هدفها الأول المتمثّل في زرع مليون مستوطن في الضفة، بالتزامن مع تكريس نهج التطهير العرقي في هذه المنطقة، في ما يشبه ما جرى عام 1948. ويحظى هذا المشروع بدفع قوي من الأحزاب اليمينية الشريكة في الائتلاف الحكومي، والتي تدفع نحو تسريع الاستيطان عبر اختصار عمليات المصادقة على البؤر الاستيطانية، أو شق الشوارع الالتفافية بشكل كبير جداً ضمن برنامج مخطّط له منذ عقود، وعزل المدن بعضها عن بعض، وقطع التواصل الجغرافي بينها. وفي الوقت الذي يضيّق فيه الاستيطان جسد الدولة الفلسطينية المتخيلة، عبر قضم مساحات تلو أخرى من جغرافيتها، تواصل حكومة الاحتلال تشديد الخناق على سلطة رام الله، ليس فقط عبر محاصرتها مالياً، بل وأيضاً عبر تقويض «صلاحياتها» المفترضة، وهو ما يمثّله قرار «كابينت» الاحتلال، قبل أيام، وضع المناطق المصنفة «ب» تحت سيطرة الإدارة المدينة إدارياً، علماً أنها كانت خاضعة لسيطرة السلطة، ما يعني أن 80% من الضفة باتت خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، أمنيّاً وإداريّاً بشكل كامل.