أطلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أمس، سراح عشرات المعتقلين الفلسطينيين، ومن بينهم مدير مستشفى «الشفاء»، محمد أبو سليمة. وإذ قوبل هذا التطور بابتهاج أهالي المعتقلين الذين لم يتلقوا، حتى الإثنين، أيّ إشارة عن أبنائهم وذويهم الذين قبعوا في ظروفٍ غير آدمية، ومارس سجانو العدو بحقهم مختلف صنوف التعذيب الجسدي والنفسي لأشهر طويلة، فقد أثار «عاصفة» في إسرائيل التي بدت متفاجئة بالإفراج عن أبو سليمة، وكأن سلطات هونولولو هي التي أمرت بذلك، لا سلطات تل أبيب. وعلى مجموعة «الواتسآب» الحكومية، والتي تضمّ وزراء «معكسر المؤمنين» الحاكم، استفاق الأعضاء مذعورين، مطالبين وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، بتوضيحات، موصين بــ«تنصيب قيادة أمنية جديدة». وفي اللقطات المصوّرة التي سرّبت من محادثة الوزراء عبر «واتسآب»، ظهر أن وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، كتب قائلاً: «يدور الحديث عن إهمال أمني. لقد حان الوقت ليقوم رئيس الحكومة بإيقاف وزير الأمن، ورئيس الشاباك. بدلاً من إدارة سياسة مستقلة مناقضة لموقف الكابينيت والحكومة، حان الوقت لإقالة رئيس الشاباك، فهو يفعل ما يحلو له». أمّا وزيرة الاستيطان والمهام القومية، أوريت ستروك، فقالت بغضب: «لا يمكن القيام بإجراء كهذا من دون جلسة حكومية. إنني أسأل بكل جديّة، بأي تفويض (أُطلق سراحه)؟». وانضم وزير شؤون الشتات اليهودي إلى «الحفلة»، مطالباً غالانت بالتوضيح، متسائلاً «لماذا هذا الرجل الذي أدار مستشفى قُتل فيه مختطفونا، وعملت داخله قيادة حماس، حُر؟»، مضيفاً أن «إسرائيل تحتاج قادة أمنية جديدة».
ورغم أن مسؤولية السجون تقع على عاتق الوزارة التي يديرها بن غفير، وعلى عاتق «الشاباك»، إلا أن ذلك لم يحصّن وزير الأمن، يوآف غالانت، الذي اضطرّ إلى إصدار بيان جاء فيه أنه «لم يكن يعلم مسبقاً بأمر الإفراج عن أبو سلمية، وأنه عرف به فقط» بعد الانتقادات التي طاولته من جانب وزراء الحكومة الذين طالبوه بالتوضيح، مشيراً إلى أن هذا ليس ضمن اختصاص وزارته. أيضاً، تدخّل وزير الداخلية، موشيه أربيل، متوجهاً إلى وزير «الأمن القومي» بالقول: «إيتمار، أعرف أن هذا ليس المكان المناسب، وأن جميع المحادثات بالفعل قد سُرّبت للأسف. ولكن فقط في (نيسان) أبريل الماضي، صدّقنا على تمرير نحو نصف مليار شيكل لإنشاء أماكن اعتقال جديدة، وعلى ما يبدو لم يتم أيّ من ذلك. أين مسؤوليتك في هذا الشأن؟»، ليردّ عليه بن غفير بالقول: «أضفنا فوراً 500 مكان، وأقمنا أقساماً جديدة. صحيح أنها مكتظة الآن، ولكن لا نطلق سراحهم بسبب الاكتظاظ، أو لأنهم في خيام. كفى أن نكون طيبي القلب». وفي الإطار نفسه، نقل موقع «واللا» عن مصادر في مكتب بن غفير قولها إنه «منذ بداية الحرب، بنينا أكثر من 1500 مكان احتجاز، افتتحنا أقساماً تضم 1000 خيمة اعتقال، والآن نقوم ببناء 10 أقسام جديدة. في سديه تيمان، هناك 1500 مكان احتجاز فارغ، لكن الجيش والشاباك لا يستخدمها بادعاء أن الشروط فيها غير جيدة».
لم ينحصر الغضب في صفوف الوزراء، بل امتدّ إلى صفوف المعارضة


وفي خضم هذه الفوضى، أعلن مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن القرار بإطلاق سراح الأسرى أتى عقب جلسات في «المحكمة العليا»، عُقدت إثر استئنافٍ ضدّ ظروف الاحتجاز في «سديه تيمان»، لافتاً إلى أن هوية الأسرى الذين يطلق سراحهم «يحددها بشكل مستقل مسؤولون أمنيون بناء على حسابات مهنية»، مضيفاً أن «نتنياهو أوعز بالتحقيق في القضية على الفور». كذلك، نقلت أوساط الأخير، ومعها أوساط غالانت، أن الرجلين غاضبان لعدم إبلاغهما مسبقاً بالموضوع. ومن جهته، أصدر جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) بياناً طارئاً محاولاً تفسير ما حصل، لإزالة المسؤولية عنه وإلقائها على بن غفير؛ إذ قال ما مفاده بأن ظروف الاكتظاظ في «سديه تيمان» دفعت إلى اتخاذ قرار بتحويله إلى مكان احتجاز مؤقت، وبناء على ذلك طولب الجيش و«الشاباك» بإطلاق سراح أسرى، لكي يتسع المعتقل لنزلاء جدد. ولفت في بيانه إلى أنه «منذ نحو سنة، ما فتئ يحذر الجهاز بكل الطرق الممكنة من ضائقة السجون ووجوب توسيعها وإضافة أماكن اعتقال جديدة، في ضوء الحاجة إلى إضافة معتقلين جدد من الضفة وغزة»، ولكن أيّاً من مطالبه هذه لم تتم الاستجابة لها. وتابع أن «الاكتظاظ في السجون يحول يومياً دون اعتقال مشتبهين بأعمال إرهابية، ما يشكل خطراً على أمن الدولة. وهذه الليلة، أُلغيت اعتقالات، من ضمنها اعتقالات مطلوبين يخططون لعمليات إرهابية ضد مواطني إسرائيل».
ولم ينحصر الغضب في صفوف الوزراء، بل امتدّ إلى صفوف المعارضة؛ إذ احتج رئيس «إسرائيل بيتنا»، اليميني العلماني، أفيغدور ليبرمان، على إطلاق سراح أبو سليمة، قائلاً: «لقد ثبت أن مدير مستشفى الشفاء ليس طبيباً، بل هو دكتور منغليه (جوزيف منغليه، الطبيب الألماني الذي اشتهر باسم "ملاك الموت" لعمله ضمن قوات الأمن الخاصة النازية في معسكر الاعتقال "أوشفيتز"، حيث أجرى تجارب مميتة على الأشخاص من غير العرق الآري، من ضمنهم أطفال)»، معتبراً أن «القرار بإطلاق سراحه هو تخلٍّ أخلاقي وأمني ومبدئي». أمّا رئيس كتلة «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، الذي استقال أخيراً من حكومة الطوارئ، فرأى أن «الحكومة التي تطلق سراح من يوفر التغطية لقتلة 7 أكتوبر، ويساعد في إخفاء مختطفينا، تقوم بخطأ مهني، مبدئي، وأخلاقي. ولذلك، فإن هذه الحكومة غير مؤهلة لإدارة حربنا الوجودية وعليها الاستقالة». وأضاف أن «من اتخذ القرار عليه الاستقالة فوراً»، متوجهاً إلى نتنياهو بالقول: «إن أغلقت بعضاً من الوزارت الفائضة، أنا متأكد من أنك ستجد الأماكن والميزانية لإضافة أماكن اعتقال. لا يمكنك الاستمرار في إدارة حرب بطريقة كهذه. حان الوقت لتحديد موعد الانتخابات».
أما عائلة القتيلة الإسرائيلية، مجنّدة المراقبة، نوعا مرتسئينو، التي وثّقت مقاطع الكاميرات أنها عولجت داخل «مستشفى الشفاء» عقب أسرها، فقالت إن «نوعا تم التخلي عنها قبل 7 أكتوبر، عندما لم يصغوا إليها (حول أن حماس تحضر لهجوم على إسرائيل). كما تم التخلي عنها في يوم الهجوم عندما لم يأتِ أحد لنجدتها». وأضافت أنه «تم التخلي عنها بعد ذلك عندما لم يفعلوا ما يكفي لإعادتها إلى البيت. والآن، بعد مضي سبعة أشهر على دفنها، تقرر دولة إسرائيل إطلاق سراح المسؤول مباشرة أو بشكل غير مباشر عن مقتلها»، فيما قال والدها: «تلقيت سكيناً في ظهري، ليس من حماس بل من إسرائيل».