هل تؤدي أزمة تجنيد «الحريديم» في الجيش الإسرائيلي إلى التأثير سلباً على حكومة بنيامين نتنياهو؟ الجواب هو نعم، ولا. فلا ردّ فعل مباشراً يستدعي من الأحزاب «الحريدية» الانسحاب من الائتلاف، كما لا يمكن للقطاع «الحريدي»، عقائديّاً، أن يمرّر موضوع التجنيد من دون ردّ فعل. وفي الموازاة، ليس ثمة في حكم القضاء الإسرائيلي ما يوجب على المؤسسة العسكرية الإسراع في تنفيذه. وفي هذه القضية، يمكن تسليط الضوء على الآتي:- أولاً: تُعدّ أزمة تجنيد «الحريديم» (طلاب المدارس الدينية)، قديمة جداً وممتدة منذ عقود، فيما تقع بين أخذ ورد دائمَين. فمع كل حكومة أو «كنيست» جديدين، تعود الأزمة إلى الواجهة، والنتيجة، منذ عقود أيضاً، هي التسويف وترحيل الاستحقاقات إلى المستقبل، مع الاحتفاظ بالواقع القائم: لا تجنيدَ لـ«الحريديم»، مقابل استمرار المعونات المالية للمدارس الدينية «الحريدية». والجدير ذكره، هنا، أن قصة إعفاء طلاب المدارس الدينية، بدأت منذ أيام رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، الذي أعفى 400 منهم، حين كانت القضية لا تزال رمزية بلا تداعيات، لكن العدد ارتفع الآن إلى 63 ألفاً.
- ثانياً: أهمية الأزمة الحالية هي أنها تجيء في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مع ما يعنيه ذلك من تأثير في استقرار الحكومة بما قد يؤدي إلى إسقاطها، وتداعيات على مسار الحرب واحتمال إيقافها، منعاً لإسقاط الائتلاف. على أن أيّ تداعيات أخرى تبقى في إطار الخلافات الإسرائيلية التي يمكن استيعابها بشكل أو بآخر، من دون أن تتفاعل إلى الحدّ الذي يغيّر من اتّجاهات الواقعَين السياسي والاجتماعي في إسرائيل.
- ثالثاً: لم يصدر بعد أيّ قانون يلزم «الحريديم» بالتجنيد أو يمنع إعفاءهم منه، بل إن جلّ المسألة هو حكم القضاء الإسرائيلي بأن الحكومة والجيش لم يعودا قادرَين على إعفاء هؤلاء، لأنه لا يوجد قانون يعفيهم من الخدمة العسكرية، خاصة بعدما انتهت صلاحية تشريع الإعفاء قبل عام تقريباً، لتصبح أوامر الحكومة بعدم التجنيد، والمعمول بها منذ ذلك الحين، باطلة، كونها لا تتوافق مع القانون النافذ، أي قانون الخدمة الأمنية الذي يلزم كل الإسرائيليين بالخدمة، من دون تمييز بين «حريدي» و«غير حريدي».
طالب غالانت، المؤسسة العسكرية، بالتجنيد التدريجي لـ«الحريديم»، من دون توسعة في تفسير الحكم وكيفية تنفيذه


- رابعاً: لم يشر القضاء الإسرائيلي في حُكمه إلى ما يدل على أن أصل إعفاء «الحريديم» ممنوع ولا يمكن تمريره بأيّ حال من الأحوال، بل أشار إلى أنه لا قانون صادراً عن «الكنيست»، إلى الآن، يعفي هؤلاء من الخدمة الأمنية، ما يعني أن الحكومة قادرة على سن قانون إعفاء في «الكنيست»، لا يزال ينتظر في «لجنة الخارجية والأمن» تمهيداً للتصويت عليه بالقراءتَين الثانية والثالثة النهائيتَين، قبل أن يصبح نافذاً، وفقاً لِما حددته المحكمة. وعليه، يُتوقّع أن تضغط الحكومة لإقرار المشروع قبل نهاية الشهر الجاري، موعد دخول «الكنيست» عطلته الصيفية؛ وفي حال تحقق هذا السيناريو، تنتهي الأزمة مرحليّاً، وإنْ كان ممكناً الطعن في القانون، كما هو حال القوانين المشابهة منذ عقود.
- خامساً: حكم القضاء لم يفصل ولم يتدخّل في مسارات تجنيد «الحريديم»، بل حكم أنه لا إعفاء لطلاب المدارس الدينية، وأن على الحكومة والجيش تجنيدهم. لكن كيفية حصول ذلك، متروكة للجيش نفسه، ما يعني أن هناك قدرة لدى الحكومة، عبر المؤسسة العسكرية، على العمل على احتواء الحكم القضائي، والتسويف فيه، عبر تجنيد محدود، وهو ما بدأ تنفيذه من الآن، إذ طالب وزير الأمن، يوآف غالانت، المؤسسة العسكرية بالتجنيد التدريجي لـ«الحريديم»، من دون توسعة في تفسير الحكم وكيفية تنفيذه.
- سادساً: كلّ مَن في الحكومة الإسرائيلية من أحزاب وكتل واتجاهات، معنيّ بالتعامل مع قرار القضاء عبر «المحكمة السياسية»، إذ إنه لا مصلحة لـ«الليكود»، كما للمتدينين القوميين من أحزاب «الصهيونية الدينية» (الذين يتجندون في الجيش)، وكذلك للأحزاب الدينية «الحريدية»، بأن تسقط الحكومة في هذه المرحلة؛ إذ إن ثمة مجازفة في حال التوجّه إلى تنظيم انتخابات مبكرة، بأن تفقد تلك الأحزاب السلطة. ويعني هذا، أن مكونات الائتلاف ستحرص معاً على إيجاد مخارج للأزمة، لأنها جميعاً معنية بتجنّب تداعياتها.
- سابعاً: مع ذلك كله، سواء وجد الائتلاف حلاً أم لا، وسواء تكيّفت الأحزاب «الحريدية» مع واقع التجنيد المحدود والتدريجي والذي يعدّ نسبيّاً إعفاءً مقنّعاً، من شأن الأزمة أن تعزّز الحركة الاحتجاجية المطالِبة بإجراء انتخابات مبكرة، بعد أن شهدت الاحتجاجات زخماً ملحوظاً في الأسبوع الماضي.