أوّل من أمس الأحد، شاركت غالبيّة الإعلام اللبناني في تبرير قصف العدوّ للبنان، وتحديداً منفذه الحيوي شبه الوحيد. هذه الجملة ليست اتّهاماً عشوائيّاً أو تعسّفيّاً، بل هي حقيقة لمسها اللبنانيّون جميعاً. «مطار بيروت الدولي» الذي يُعدّ بمثابة آلة الأكسيجين التي يحتاجها لبنان اقتصاديّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً وسياحيّاً، كان في مهداف مقال لصحيفة «التلغراف» البريطانية المتصهينة، التي نقلت فيه عن قوات الاحتلال ما يختصر هدفها من المقال: «إذا قام «حزب الله» باستهداف المدنيّين الإسرائيليّين من هذه المواقع، فلن يكون أمام الجيش الإسرائيلي أيّ خيار سوى الردّ، ما قد يعرّض المدنيّين اللبنانيّين للخطر».
(نهاد علم الدين)

إذن، هي قصّة البروباغندا الحربية ذاتها التي حاكت أكاذيب «أسلحة الدمار الشامل» و«السلاح الكيميائي» و«قطع رؤوس 40 طفلاً واغتصاب النساء»، تتكرّر وعينُها هذه المرّة على لبنان. لكنّ الطامة الكبرى لم تكن هنا، بل في طريقة تعاطي عدد كبير من الوسائل الإعلامية وحتّى الجهات السياسية مع الموضوع. كأنّ هؤلاء أرادوا الدمار المتعدّد الأشكال لبلدهم، ومعظمهم أساساً ممّن يبرّرون الاعتداءات الصهيونية على لبنان منذ أشهر. وبدلاً من أن يكون الإعلام خطّ الدفاع الأساس في وجه البروباغندا الحربية الصهيونية ويفنّد أكاذيبها، راح ينشر هذه الأكاذيب على نطاق أوسع من دون أدنى مسؤولية إنسانية وأخلاقية ولا حسّ وطني، تماماً كما يتصرّف أمام كلّ حادثة داخلية يراها مناسبةً لصبّ زيته على نار الفتنة، ما يطرح السؤال حول دوره ولا سيّما في ظروف كظروف حرب يتعرّض لها لبنان برمّته من جهة معادية!
ولزيادة الطين بلّة، انكبّ عدد من «الناشطين» الكارهين للذات، وجلّهم من مؤيّدي حزبَي «القوّات» و«الكتائب» المفترض أنّهما «لبنانيَّان»، لتبرير قصف لبنان والتباهي بتصديقهم صحيفة هامشية حتّى بالنسبة إلى البريطانيّين أنفسهم، ارتضت أن تكون جزءاً من آلة الحرب الصهيونية التي ظهرت خططها المختلفة في التأثير على الإعلام الغربي. فضّلوا ذلك على تصديق وزير الأشغال اللبناني علي حمية، الذي عقد مؤتمراً صحافيّاً في اليوم ذاته، مفنّداً تقرير الصحيفة التي أزالت «الاتّحاد الدولي للنقل الجوّي» (IATA) من كونه أحد مصادرها المزعومة بعدما أكّد الاتّحاد على عدم إدلائه بأيّ تصريح لها، ومستغرباً التشكيك في الجمارك والجيش اللبنانيَّين، ومعلناً نيّته رفع دعوى ضدّ الصحيفة، وداعياً الإعلام والسفراء إلى جولة في المطار صباح اليوم التالي. لكنّ مجهود «القوّات» الحربي لم يقتصر على قاعدته الشعبية، إذ كان نائبه غسّان حاصباني أحد أهمّ المصادر المزعومة لأكاذيب الصحيفة البريطانية، بحيث ادّعى أنّه «لطالما شكّلت سيطرة «حزب الله» على المطار مصدر قلق للبنان» وأنّ «حزب الله يسيطر على المنطقة المحيطة بالمطار بالكامل، لذا يشعر الكثير من الناس بالقلق حيال المرور عبر مطار بيروت». علماً أنّها ليست المرّة الأولى التي يطلق فيها حاصباني «الوشايات» ضدّ أبناء بلده في الإعلام الغربي، واعتاد الظهور في تقارير ووثائقيّات تدين المقاومة وتدافع عن «وجهة نظر» العدوّ، كما في تقرير «التلغراف».
صحيح أنّ التهويل الأكبر أتى من وسائل إعلام خليجية، غير أنّ زميلاتها في لبنان لم تقصّر. ولئن حاولت قنوات تلفزيونية لبنانية ــــ بعد مؤتمر وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة ورئيس مطار بيروت فادي الحسن ــــ التراجع عمّا قامت به من مشاركة في التهويل وتشويه سمعة المطار، مع ما ينتج من ذلك من ضرب للسياحة والاقتصاد، إلّا أنّ الضرر كان قد وقع وانتهى، بما في ذلك تشويه هذه القنوات لسمعتها بنفسها. لعلّ تصرّف قناة «الجديد» كان الأكثر إثارةً للاستغراب، رغم تاريخها الحافل بالنفاق، في الماضي القريب أو ذاك البعيد. في سلسلة تغريدات، نشرت مضمون التقرير المفعم بالأكاذيب، قبل أن تنشر رابطاً لمقال على موقعها الإلكتروني يتناول التقرير بشكل كامل. وبعدما أتى ردّ IATA بعدم إعطائها أيّ تصريح للصحيفة البريطانية، لم تنشر «الجديد» سوى منشور واحد مع رابط، كتبت فيه بطريقة مبهمة: «اتّحاد النقل الجوّي عن مقال «التلغراف»: مجرّد أضاليل وكذب! للتفاصيل...». ومع إعلان الوزير حميّة عن مؤتمره، كتبت القناة في منشور: «مؤتمر صحافي لوزير الأشغال والنقل علي حميّة الساعة 6 من مساء اليوم الأحد في مطار بيروت يتناول فيه «الافتراءات» التي أوردتها صحيفة التلغراف»، واللافت وضع «الافتراءات» بين مزدوجين، كأنّ ما نقلته القناة سابقاً عن الصحيفة حقيقة بينما حديث الوزير مجرّد «ادّعاء».


كلّ هذا «نسفته» القناة مساءً أي بعد المؤتمر، فراحت تكيل الانتقادات لتقرير الصحيفة البريطانية، معتبرةً أنه جزء من الحرب النفسية الإسرائيلية المستمرّة التي تتزايد وتيرتها في المدة الأخيرة. وانعكس هذا «التموضع المستجدّ» على صفحاتها الافتراضية ونشرة أخبارها وبرنامج «وهلّق شو» الذي يقدّمه الإعلامي جورج صليبي مساء كلّ أحد. وفي نشرة أخبارها، أعطت الهواء للإعلامي لديها رياض قبيسي، الذي كذّب التقرير البريطاني، وفي نبرته ما يوحي بأنّه متحسّر على «لا معقوليّته» (كرّر العبارة مرّات عدّة). حسناً فعل قبيسي من حيث شرح هذه اللامعقولية، ولا سيّما في ما يتعلّق بالصواريخ التي أظهر بأنّ بعضها مصنّع في لبنان، ما ينفي تلقائيّاً ادّعاء الصحيفة باستيرادها عبر المطار. كما قال إنّ «التلغراف» ليست من الصحف ذات الحيثية الكبيرة حتّى في بريطانيا، ووصف تقريرها بأنّه «هراء». لكن من جهة أخرى، حرص على التشكيك بما قاله حميّة، قائلاً إنّ ردّ الوزير «من دون دليل» تماماً كما ادّعاءات الصحيفة «من دون دليل»، وأعاد تدوير أكذوبة أنّ «المطار محسوب على حزب الله»، كأنّ تكرار العبارة على ألسنة خصوم المقاومة الداخليّين والخارجيّين وبعض الإعلام المشبوه يجعلها مسلّمة. أيضاً، بثّت القناة تقريراً اعتبرت فيه أنّ ما نُشر هو جزء من الحرب النفسية التي يشنّها العدوّ على لبنان، مذكّرةً بجولة قبل خمس سنوات أقامها وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل للإعلام والسفراء لدحض ما زعمه رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو حول تخزين المقاومة أسلحة في أماكن معيّنة. المهمّ أنّه في نهاية المطاف، صوّبت «الجديد» خطأها بعض الشيء، ولو متأخّرة.
أمّا mtv وLBCI، فشاركتا أيضاً في الحملة التهويلية، ناشرتَين مضمون التقرير على صفحاتهما الافتراضية كأنّه «منزَل» من السماء، ولو أنّهما عادتا وحاولتا تبييض صورتهما في النهاية، رغم أخذهما طرفاً أقرب إلى «الحياد». ففي مقدّمتها المسائية، أذاعت LBCI أنّ «صحيفة «التلغراف» البريطانية، أوردت مقالاً موسّعاً عن أنّ ««حزب الله» يخزِّن صواريخ ومتفجّرات في مطار بيروت، وتحدّث التقرير بالتفصيل عن نوعية الصواريخ المخزَّنة. وزير الأشغال العامّة في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة ردّ سريعاً ونفى في مؤتمر صحافي ما أوردته «التلغراف»، كاشفاً عن دعوى قضائية سيرفعها ضدّ الصحيفة وأنّ جولةً ستتمّ غداً (اليوم) في المطار للردّ على ما أوردته التلغراف». وفي تقريرها حول الموضوع، أثارت القناة التساؤل حول توقيت بثّ تقرير مماثل بما أنّ الاتّهام ليس جديداً، وأكّدت ما قاله الوزير عن إزالة الصحيفة البريطانية IATA كمصدر مزعوم لادّعاءاتها، عبر إظهار النصّ قبل الإزالة وبعدها.
من جهتها، برّرت mtv في مقدّمتها قصف العدوّ المحتمل في المطار، أو على الأقلّ هوّلت بذلك، إذ أوردت: «ماذا يحصل في مطار رفيق الحريري الدولي؟ وهل صحيح ما كتبته جريدة «التلغراف» البريطانية عن أنّ «حزب الله» يخزّن كمّيات كبيرة من الأسلحة والصواريخ الإيرانية فيه؟ بمعزل عن صحّة الخبر أو عدم صحّته، فإنّه يطرح الكثير من الهواجس ويثير الكثير من القلق، كما أنّه يتضمّن تحذيراً واضحاً من أنّ الوضع الحالي للمطار سيجعله هدفاً محتملاً لإسرائيل. والقلق الرسمي والشعبي هو ما حمل وزير الأشغال علي حميّة على قطع عطلة نهاية الأسبوع، ليعقد مؤتمراً صحافيّاً في المطار ينفي فيه كل ما ورد في صحيفة «التلغراف»، وليؤكّد أنّ المطار خالٍ من الأسلحة وسيستكمل الأمر غداً (اليوم) بجولة ميدانية». لكن كان لافتاً بثّ القناة تقريراً حول «التهويل والحرب النفسية» من كيان العدوّ على لبنان، مظهرةً أمثلة عدّة عن مستوطنين ومسؤولين إسرائيليّين وهم يدعون إلى شتّى أنواع الهجوم على لبنان، رغم عدم جهوزية الكيان لسيناريو مماثل. بشكل عام، يمكن القول إنّ mtv كانت متّزنة بعض الشيء قياساً إلى سوابقها.
التهويل الأكبر أتى من وسائل إعلام خليجية، لكنّ زميلاتها في لبنان لم تقصّر ايضاً


على ضفّة «المنار»، انتقلت القناة في مقدّمتها من إنجازات المقاومة جنوباً إلى تقرير الكذب، فأشارت إلى «وصول مسيّرة وانفجارها في غرف نوم الجنود، في وقت كان وزير النقل في لبنان علي حميّة يفكّك فيه صاروخاً أطلقته صحيفة «التلغراف» البريطانية نحو «مطار بيروت الدولي». الوزير حميّة دعا وسائل الإعلام إلى جولة في المطار غداً لتكذيب مزاعم الصحيفة حول تخزين «حزب الله» أسلحة ومتفجّرات في المطار. الكذبة حول مطار بيروت يصعب أن تمرّ، أمّا الحقيقة حول مطار بن غوريون، فهي بحسب القناة الثانية عشرة الصهيونية أنّ أكثر من نصف مليون مستوطن ترك كيان الاحتلال من دون رجعة منذ بداية «طوفان الأقصى». فهل ينضمّ إليهم المزيد مع تجديد كندا دعوتها إلى الصهاينة للهجرة إليها هرباً من الحرب؟ وهكذا يستريحون ويريحون المنطقة بأسرها ليعود أهل الأرض الحقيقيّون إلى بلدهم».
أمّا OTV، فورد في مقدّمتها ما يأتي: «على غرار ما قام به وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل، يوم اصطحب السفراء والإعلام في جولة على نقاط زعم بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة بأنّ «حزب الله» يستخدمها لتخزين السلاح، سارع وزير الأشغال علي حميّة اليوم إلى عقد مؤتمر صحافي على أرض مطار بيروت الدولي، بعد المقال المنشور في «التلغراف» البريطانية، والذي أتى غداة نشر «حزب الله» صوراً جديدة لمناطق حسّاسة في الداخل الإسرائيلي، موجّهاً دعوة إلى الإعلاميّين للقيام بجولة صباح الغد على مرافق المطار. غير أنّ الجولة على أهمّيتها لناحية تثبيت نفي المزاعم الإسرائيلية، لن تلغي التهديد، لا بل أكثر من ذلك، لن تلغي نوايا توسيع دائرة العدوان على لبنان، التي لم ينجح موفد الرئيس الأميركي آموس هوكستين حتّى اللحظة على ما يبدو في لجمها».