غزة | تحكي جولة على أسواق شمال قطاع غزة، عن أكثر ما يشغل الأهالي وهم على أعتاب عيد الأضحى، إذ تغيب كل الطقوس التي يتميّز بها هذا العيد، من الأضاحي، التي وإن توفّرت، فقد ارتفع ثمنها إلى عشرة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب، حيث وصل سعر كيلو اللحم إلى 100 دولار، مروراً بالحجاج الذين لم يغادر منهم أحدٌ القطاع لأداء الشعائر، وصولاً إلى الملابس الجديدة التي ارتفع ثمنها إلى 10 أضعاف ما كانت عليه، بعد أن دمّر الاحتلال وأحرق العشرات من المحالّ التجارية ومخازن الملابس. وليس كل ما سبق هو ما دفع الحاج أبو محمد بنر إلى النزول من بيته إلى سوق الصحابة شمال شرق مدينة غزة، إنما البحث عن شيء يسدّ به رمق عائلته الكبيرة، إذ يقول لـ«الأخبار»: «أنا أبحث عن أي شيء يؤكل. الطحين متوفّر، لكن لا شيء سواه موجود. سعر كيلو السكر ارتفع إلى 25 دولاراً. وسعر البيضة الواحدة دولاران. وثمن أقل واحدة من المعلبات وصل إلى دولارين كذلك. نحن نبحث عن ما نطعم به أولادنا. أما أجواء العيد وألعابه وطقوسه المحبّبة والجميلة، فحسبنا الله ونعم الوكيل في من حرمنا إياها».في شوارع مخيم جباليا، ثمة من يحاول صناعة البهجة: بائع عصائر باردة يشغّل تسجيلاً لتكبيرات العيد، فيما ينفث بائع ألعاب في صانعة بالونات مائية طوال النهار، ويلهو أطفال بأرجوحة نجت بأعجوبة من التدمير. ووسط ذلك كله، تبذل اللجان المحلية والشعبية جهوداً لتسوية الأرض وتنظيفها لإقامة صلاة العيد. ويقول الشيخ مطيع السيلاوي: «الفرح في العيد فرض. وعلى رغم كل الظروف التي نعيشها، نحن نحاول صناعة أجواء العيد. سنؤدّي الصلاة في العراء. سنوزّع الحلوى، وسنفعل كل ما من شأنه أن يؤكد تمسّكنا بكل ثوابتنا الدينية والوطنية».
شبح المجاعة ينشب أظفاره مجدداً في شمال القطاع


إلى الغرب من المخيم، حيث مقبرة الفالوجا التي دمّرت جرافات الاحتلال أجزاء واسعة منها خلال الاجتياح الأخير، سيقضي الأهالي ساعات طويلة بحثاً عن قبور أحبائهم. وسيبذل آخرون مجهوداً مضنياً في إعادة تأهيل القبور المدمّرة. ثمة طقوس اجتماعية ذات قداسة لا بد من إقامتها، إذ يأتي الأهالي في صبيحة العيد لزيارة أحبائهم الموتى والشهداء. وتقول الحاجة رقية، وهي تسقي نبات الآس الذي زرعته قبل أسبوع على قبور أبنائها الثلاثة: «بيزعلوا منا إذا ما زرناهم وسلّمنا عليهم». وتضيف لـ«الأخبار»: «ما خلّوا ولا قبر سليم، دمّروا بيوت الأحياء وقبور الشهداء، جئنا نبني قبور أحبائنا قبل أن نبني بيوتنا المدمّرة. رح نزورهم في أول يوم العيد، ونسلّم عليهم».
بالنسبة إلى الآلاف في شمال قطاع غزة، ثمة ما هو أكثر أذى من غياب الأضاحي وطقوس العيد وأجوائه. يبدو الحديث عن الأذى المعنوي ترفاً، بينما يواصل جيش الاحتلال فصول العقاب، وشبح المجاعة الذي لم ينسَه 750 ألفاً من السكان، ينشب أظفاره مجدداً.