معارضون يتهمون النظام بالجبن أمام من هم أقوى منه، والاستقواء على من لا سند لهم
مع ذلك، وما خلا بعض الاعتقالات الفردية المعتادة في الحج لأسباب سياسية، لم تصل المملكة، حديثاً، إلى صدام يمكن تصنيفه على أنه سياسي، مع مجموعة بعينها من الحجاج من الدول التي كانت للمملكة حروب أو خلافات معها، تلك التي سيعكس أي تصرف سعودي حيال حجاجها، ما إذا كانت المملكة في صدد التراجع عن مسارات تصالحية كانت قد بدأت بها في العامين الماضيين. على سبيل المثال، لم يحصل، حتى الآن، ما يعكّر أداء البعثة اليمنية للمناسك، رغم قيام حملة من قبل بعض السعوديين، تطالب باعتقال مسؤوليها، ولا سيما مسؤول البعثة، اللواء يحيى الرزامي، بسبب تظاهرة «البراءة» وإطلاق ما تسميه حركة «أنصار الله» «الصرخة»، أي «الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، وشعارات الولاء للأئمة وللقائد عبد الملك الحوثي. كما لم تثر دعوة المرشد الإيراني، علي خامنئي، إلى اعتبار حج هذا العام «حج البراءة من عدو المسلمين المجرم ومن حُماته، أكثر مما كان في الأعوام الماضية»، رد فعل رسمياً من السلطات السعودية، رغم أنه أدلى بها في لقاء مع مسؤولي شؤون الحج الإيرانيين في السادس من أيار الماضي. والتوجّه السعودي هذا ليس ناجماً عن رغبة في التساهل، بقدر ما ينبع من حقيقة أن النظام يعرف أنه لا يستطيع الظهور بمظهر من يحامي عن إسرائيل عبر محاولة قمع مباشرة لأي تضامن مع غزة في الحج، ولذا، هو عبّر عما يريد بشكل غير مباشر عبر الحملات التي يشنّها أنصاره.
ولعلّ غياب الحجاج الغزيين هذا العام بسبب العدوان الإسرائيلي، يسهم في رفع مستوى التعاطف، ولا سيما أن بعض من كانوا وعدوا أنفسهم بالحج من سكان غزة، صاروا حجاجاً شهداء. ودفع ذلك بالبعض إلى المطالبة بالاستعاضة عن الحج بتوجيه كلفته إلى دعم المقاومة والشعب في قطاع غزة. لكن ما قد يكون مسموحاً أو يجري التغاضي عنه بالنسبة إلى إيران و«أنصار الله»، ليس كذلك بالنسبة إلى آخرين، مثل مؤيدي حركة «حماس» أو «الإخوان المسلمين». إذ لن يكون مسموحاً للحجاج الفلسطينيين التظاهر في المشاعر استنكاراً للحرب على غزة. أمّا كل الآخرين من المتعاطفين مع «الإخوان»، من أي بلد أتوا، فهم كانوا في الأعوام الماضية، وما زالوا، عرضة للاعتقال الفوري بسبب خوف النظام منهم. والاعتقال في السعودية يعني ما يعنيه لناحية طول المدة، وهو يطاول مجموعة تمتد من كل معارضي الأنظمة العربية والإسلامية الحليفة للمملكة، وصولاً إلى مسلمي الأويغور الصينيين، وما فتىء يتزايد منذ تسلّم محمد بن سلمان ولاية العهد.
على سبيل المثال، جرى اعتقال رجل الأعمال الليبي، عبد الرحمن قاجة، بطلب من الرئيس التونسي، قيس سعيد، لاتهامه بتمويل «حركة النهضة»، وفقاً لقول معارضين سعوديين. كما يؤكد «مرصد انتهاكات الحج والعمرة» أن الشاب التركي، خالد محمد عبد العزيز، لا تزال أخباره مقطوعة منذ أن تم اعتقاله على يد قوات الأمن السعودية عام 2017، عندما قدم من تركيا لأداء مناسك الحج. ودفع ذلك بعض معارضي النظام في الخارج إلى اتهامه بالجبن أمام من هم أقوى منه، والاستقواء على من لا سند لهم.