غزة | على مشارف تل الهوى، قرب وزارة المالية، سيصدمك هَول ما فعلته الآليات الحربية الإسرائيلية بتلك المنطقة، حيث سُوّيت الأبراج السكنية والعمارات والمباني بالأرض، وجُرفت الشوارع، ودُمّرت خطوط المياه والبنى التحتية، ولم يسلم شيء، من قذائف العدو وصواريخه: هيكل عظمي لحصان هنا، ولِقِطة هناك، فيما الأشجار اقتُلعت من جذورها. تروي نجاة أبو علي (45 عاماً)، التي نجت قبل أسبوعين من موت محقَّق بعد استهداف شقتها التي تقطن فيها وعائلتها، أنها لم تخرج من هذه المنطقة طوال ثمانية أشهر، ولكن زوجها استشهد في الغارة، فيما أصيب طفلها ووالدها وشقيقها بحروق شديدة. وتقول، في حديث إلى «الأخبار»: «ما إن بدأت الحرب في السابع من أكتوبر، حتى جهّزنا أنفسنا لأيام عصيبة وأحضرنا ما يلزم من مواد تموينية نفعتنا لمدة طويلة، حيث حوصرنا لشهرَين كاملَين لا نخرج من المنزل بسبب الدبابات التي لا تبعد عنا سوى أمتار قليلة»، لافتةً إلى أنهم استطاعوا تدبُّر أمرهم في المياه الحلوة من «الجيران الذين نزحوا من العمارة التي نقطنها، فيما المياه المالحة متوافرة في بئر مياه يتبع للعمارة». وتصف أبو علي الأيام والأشهر التي حوصروا خلالها من بـ«المرعبة والمخيفة (...) من شدة القذائف والصواريخ التي تسقط حولنا». وتوضح أنه «عندما كنا نريد الذهاب إلى السوق، كنا نضطر إلى السير مسافات طويلة حتى نصل إلى المواصلات، وعند العودة نضطرّ إلى دفع مبالغ مالية كبيرة جداً للسائق حتى يصل بنا إلى البيت».في شارع مجرّف، حيث نُسفت معظم المباني، يحاول أبو عدي (49 عاماً) مساعدة أحد الجيران في إغلاق باب منزله، قائلاً: «آتي كل يوم إلى هنا كي أحرس المنطقة خوفاً عليها من السرقة»، مؤكداً أن مَن يصل إليها لأول مرّة يشعر وكأنه في مدينة تسكنها الأشباح، «فلا صوت ولا حركة لأيّ بشر أو شجر هنا». ويقاطعه أبو نبيه (65 عاماً): «تُعرف منطقة تل الهوى بأنها من أرقى وأجمل المناطق في مدينة غزة، حيث كانت سواحلها تعج بالفنادق السياحية واستراحات للجلسات العائلية ومتنزهات للترفيه والتسلية مصمَّمة بأحدث الطرق العالمية». ويستدرك: «أصبحت المنطقة تعجّ بأصوات صواريخ الطائرات الحربية وقذائف الدبابات ورصاص المسيّرات، وتفتقر إلى كلّ مناحي الحياة الحيوية والأساسية، خاصة المياه»، مشيراً إلى أن «عدد مَن يقطنون المنطقة حالياً يُقدّر بمئة إلى مئتي شخص فقط». ويتابع: «حياتنا أصبحت بلا عمل ولا أمل ولا أفق... لا نعلم ما ينتظرنا، فقبل أيام استُهدفت إحدى البنايات في المنطقة، استشهد أحد أفرادها وأصيب آخرون»، معرباً عن أمله في انتهاء الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها.
يقوم مقترح غالانت على انتخاب مناطق لتوجيه السكان إليها دوناً عن المناطق الأخرى


أما عمر زهران (18 عاماً) الذي يجرّ عربة عليها غالونات مياه، فيقول: «أسير عدّة كيلومترات كي أصل إلى مصدر المياه... مللنا النزوح وتعبنا من العيش في مراكز الإيواء، لذلك عدنا إلى منزلنا رغم الخوف والرعب الذي نعيشه». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «ما إن تبدأ الشمس بالغروب، حتى ندخل إلى بيوتنا ونغلق نوافذنا كي لا يستدلّ الاحتلال على وجودنا، فيكون مصيرنا إما الشهادة أو الاعتقال. وفي إحدى المرات، تم إجبار مَن كُشف أمرهم على الرحيل إلى جنوب قطاع غزة».
ويؤكد الناطق باسم بلدية غزة، عصام النبيه، بدوره، لـ«الأخبار»، أن «الاحتلال الإسرائيلي دمَّر معظم البنى التحتية والأبنية السكنية في منطقة تل الهوى، بخاصة أن الأخيرة تعرّضت لعدد من التوغلات والتي استمرت لمُدد طويلة ما أدى إلى تدمير جزء كبير منها»، واصفاً المنطقة بأنها «حسّاسة وساخنة وبحاجة إلى مخاطرة عالية جداً من أجل الوصول إلى عمقها وتقديم الخدمات فيها، كفتح الطرق وصيانة خطوط المياه وجمع النفايات»، لافتاً النظر إلى أن الإمكانات المتاحة لا تساعد البلدية في القيام بمهماتها «بسبب تدمير الاحتلال معظم آلياتها، فضلاً عن محدودية الوقود الذي يحرك الآليات المتبقية».