غزة | بمعزل عن أيّ حسابات إنسانية، قرّر جيش العدو تنفيذ عملية تحرير المستوطنين الأربعة في تمام الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، أي في ذروة اكتظاظ سوق مخيم النصيرات الذي يؤوي مئات الآلاف من النازحين، بوصفه إحدى المناطق الآمنة التي نزح إليها الأهالي من مدينة رفح. ووفقاً لشهادة سلامة أبو علي، وهو أحد النازحين من شمال القطاع إلى المخيم، فإن الأهالي فوجئوا بسلسلة عنيفة من الغارات، تزامنت مع وابل مهول من القذائف المدفعية على كل الشوارع والأزقة، بينما كانت تنهار العشرات من المنازل المأهولة واحداً تلو الآخر جراء استهدافها بالطائرات الحربية. ويتابع حديثه إلى «الأخبار»: «لم نفهم ما الذي يحدث، قصفوا منزلاً بجانب الخيمة التي نسكن فيها، كتلة هائلة من اللهب بدأت تلتهم الخيمة، هربنا ونجونا بأعجوبة. في الطريق، شاهدت المئات من الأطفال والرجال والنساء وهم ملقون في الطرق، الصراخ في كل مكان، وكنا نسبح في حمام من الدماء والأشلاء والجثث».في الشوارع، لم يكن بوسع الهاربين من الحِمم، أن ينقذوا المصابين أو ينتشلوا الشهداء، حيث لاحقت طائرات «الكواد كابتر» وصواريخ الطائرات المُسيّرة كل من يمشي على قدميه، طفلاً كان أم شيخاً أم امرأة. أما المنازل العاثرة الحظ، المقامة في طريق انسحاب القوة الخاصة، فقد قصفت الطائرات الحربية 80 منزلاً مأهولاً منها على رؤوس سكانها. وقبل أن تصل السيارات التي تقلّ المستوطنين والقوات الخاصة، كانت وسائط المدفعية تصنع دائرة من النار في محيط المنطقة التي تتحرّك فيها؛ ويُعنى بدائرة النار هنا، قصف عشوائي ومستمر من دون توقّف على مناطق محدّدة على الخريطة، ومن دون الالتفات إلى ما فوق الأرض من أبنية أو شوارع، ومن دون احتساب عدد الضحايا الناتج من هذا القصف. وهكذا، حصدت القذائف العمياء طوال أكثر من ساعة ونصف ساعة أرواح 274 شهيداً، بينهم 64 طفلاً و57 امرأة و37 مسناً، وأصابت على نحو بليغ وحرج 698 آخرين، من بينهم 153 طفلاً و161 امرأة و54 مسناً.
في مستشفيَي المخيم الرئيسَين «شهداء الأقصى» و«العودة»، كان المشهد عصيّاً على الوصف


في مستشفيَي المخيم الرئيسَين، «شهداء الأقصى» و»العودة»، كان المشهد عصيّاً على الوصف، حيث تزاحم المئات من المصابين في الساحات وأقسام الطوارئ والاستقبال، وسط عجز الطواقم الطبية عن التعاطي مع العدد الهائل من المصابين دفعة واحدة. ويقول حامد حسن، وهو أحد شهود العيان هناك: «ألقي المصابون على الأرض، تُركوا لمصيرهم، كانوا ينزفون حتى الموت قبل أن يصل أحد لعلاجهم، أطفال مبتورو الأطراف يصرخون، نساء يسبحن في الدماء، والأطباء والممرضون يحاولون فقط تغطية الجروح بالشاش لوقف النزيف، من دون أيّ إجراءات طبية أخرى، لكنهم فقدوا السيطرة تماماً».
أمام ذلك المشهد كلّه، لم يرفّ لرئيس وزراء «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم»، جفن، وهو يعلن عن النجاح في إطلاق سراح أربعة من مستوطنيه، وإنْ ذكر في معرض حديثه أن العملية «الإبداعية والشجاعة» تسبّبت في مقتل مدنيين. وفيما هنّأت الولايات المتحدة الأميركية، إسرائيل، بالعملية، تقاطرت بيانات الشجب والاستنكار والتعبير عن القلق. قلقٌ يكاد يكون أقرب إلى التواطؤ، في مقابل شلال من الدماء وأكوام من الأشلاء والأجساد المحترقة.