غزة | روت مصادر ميدانية في قطاع غزة، لـ«الأخبار»، تفاصيل العملية التي نفّذها جيش الاحتلال في عمق مخيم النصيرات وسط القطاع، أول من أمس، وتمّ خلالها «تحرير» أربعة من المستوطنين الأسرى لدى المقاومة، في عملية مفاجئة، حملت اسم «بذور الصيف». ووفقاً للمصادر، تسلّلت قوة إسرائيلية خاصة متنكّرة بسيارة تؤوي نازحين وشاحنة أخرى تنقل مساعدات إلى المخيم في تمام الساعة 11 صباحاً، حيث توقّفت السيارتان إلى جانب منزلين كانا يؤويان الأسرى، تفصل بينهما مسافة 200 متر، بالقرب من سوق المخيم المركزي والذي كان يعجّ بالآلاف من النازحين. ومن ثم، استخدمت القوة سلاسل طويلة، واقتحمت البيت من النوافذ. وبالتزامن مع ذلك، بدأت كل الوسائط النارية بشنّ المئات من الغارات بواسطة الطائرات الحربية وإطلاق مدافع الهاوترز وقذائف الدبابات، صانعةً ستائر من النار في محيط المناطق التي كانت تتم فيها العملية. وتسبّب القصف الذي تواصل لنحو ثلاث ساعات، بتدمير نحو 80 منزلاً على رؤوس ساكنيها، وأدخل المخيم في حالة إرباك كبيرة. وفي غضون ذلك، كانت الدبابات الإسرائيلية قد توغّلت من محورَي صلاح الدين إلى الشرق من المخيم وشارع الرشيد إلى الغرب منه، وفرضت هي الأخرى طوقاً نارياً على الشوارع الرئيسية في المنطقة، بالتزامن مع تحليق مكثّف للطائرات المُسيّرة والمقاتلة التي أطلقت عشرات الصواريخ في اتجاه كل من يتحرّك، ومع حضور كثيف لطائرات الـ«كوادكابتر».ويمكن القول، إن كل الوسائط الحربية شاركت قوات جيش الاحتلال الخاصة، «اليمام» و«اليمار» و«غيفعاتي»، التي عملت إلى جانب جهاز الأمن العام «الشاباك» والشرطة، في العملية التي لم تبدأ بالتأكيد يوم السبت، إذ ذكرت مصادر عبرية أن التخطيط لها استغرق شهراً كاملاً، وعقد في إطاره رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، اجتماعاً أخيراً مع رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، ورئيس جهاز المخابرات العسكرية، أهارون هاليفا، واللواء احتياط، نيتسان ألون. وبدأ العمل الميداني على العملية قبل نحو أسبوع، عندما فتح جيش الاحتلال، في إطار التمهيد للهجوم، محورَي قتال في شرق مدينة دير البلح ومخيمي المغازي والبريج، وشنّ غارات جوية مكثّفة راح ضحيتها 200 شهيد في المنطقة الوسطى من القطاع.
وبحسب المصادر الميدانية، فإن عناصر المقاومة خاضوا اشتباكات شرسة جداً مع جنود الاحتلال، ما عرّض السيارة التي كانت تقل كلاً من الأسرى نوعا أرغاماني (25 عاماً) وألموغ مئير (21 عاماً) وأندريه كوزلوف (27 عاماً) وشلومي زيف (40 عاماً)، لإصابات بأعيرة نارية تسبّبت بتعطّلها. وفي خلال الاشتباكات التي اعترف جيش العدو بمقتل ضابط من وحدة «اليمام» فيها، أصيب العشرات وقُتل آخرون يمتنع العدو عن الاعتراف بسقوطهم. وعلى رغم كل ذلك، كانت هذه فقط ثاني عملية «تحرير» أسرى أحياء منذ بدء الحرب قبل ثمانية أشهر، إذ كان جيش الاحتلال قد «حرّر» في عملية ملتبسة في شهر شباط الماضي، اثنين من الأسرى في عملية دموية مشابهة في حي تل السلطان في مدينة رفح جنوبي القطاع.
وعاش الشارع الغزي يوماً قاسياً خلال العملية الإسرائيلية، إذ تعرّض لصدمة المجازر الجماعية الكبرى، وصدمة معنوية أخرى تمثّلت في استعادة الاحتلال أربعة من الأسرى الأحياء الذين كان يمكن إخراج عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في مقابلهم، فيما بدا نتنياهو مزهواً بالعملية التي وصفها بأنها «الأكثر دقة وإبداعاً في تاريخ إسرائيل». لكن بعيداً عن صراع المشاعر، أعلن الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، أن جيش الاحتلال قتل في سبيل تحرير أربعة من الأسرى، أربعة أسرى آخرين أحدهم يحمل الجنسية الأميركية، مشدّداً في كلمة له على أن «واحداً من نتاجات هذه العملية التي لا تمثل إنجازاً كبيراً بعد ثمانية أشهر من الحرب، هو تعقيد الإجراءات التي تحيط بظروف اعتقال الأسرى الإسرائيليين».
وعلى رغم أن العدو حصد إنجازاً تكيتكياً وإن على جماجم أكثر من 800 بريء، غير أن المقاومة لا تزال تتصرّف بهدوء وثقة، إذ تدرك ما لديها من أوراق قوة، وربما كانت تتحسّب سلفاً لإمكانية تحقيق اختراقات كالذي حصل، بالنظر إلى حجم الجهد الاستخباري الإسرائيلي المبذول في مساحة ضيّقة ومحدودة جداً من الأرض. غير أن استهلاك ثمانية أشهر كاملة لتحقيق منجز محدود، يعني أن جيش العدو بحاجة إلى عشر سنوات لكي يستعيد كل أسراه بالطريقة نفسها، فيما سيكون لدى المقاومة المجال في غضون تلك الفترة، لإعادة تذخير مخزونها من الأسرى.