يصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تل أبيب، مطلع الأسبوع المقبل، حاملاً معه ما أمكن من ضغوط وإغراءات، للدفع قُدُماً باتفاق تبادل بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، يشمل وقفاً طويلاً لإطلاق النار. والزيارة الثامنة لبلينكن إلى المنطقة، منذ السابع من أكتوبر، يراد منها أن تتكامل مع ضغوط حلفاء واشنطن من الوسطاء العرب، على حركة «حماس»، للقبول بالمقترح الإسرائيلي - الأميركي، الذي لا يزال يحتاج - للمفارقة - إلى موافقة الكيان نفسه، على رغم أن الأخير هو من أَودعه لدى إدارة جو بايدن. وإذا كان توقيت إعلان الرئيس الأميركي عن الورقة الإسرائيلية قد فاجأ نتنياهو، كونه جاء قبل أن يُطلع الأخير وزراء ائتلافه وحزبه عليه، إلا أنه لا يلغي حقيقة أنه اقتراح إسرائيلي، قُدّم إلى الولايات المتحدة برضى وقبول من نتنياهو، لأسباب باتت معروفة، وفي مقدّمها أن الحرب عالقة مع نفسها، ومع أهداف غير قابلة للتحقُّق، وبات الوقت يأكل من إنجازاتها التكتيكية.ولعلّ واحداً من أهداف كشْف بايدن عن الاقتراح الإسرائيلي، قبل أن ينضج في داخل الكيان نفسه، منْع نتنياهو من التراجع عنه، وحشره مع بنود لا إمكانية لتعديلها بما ينسف الصفقة، في حين أن الدلالة الأبرز هي تأكيد الرئيس الأميركي، من وراء إعلانه، أنه معنيّ باتفاق ينهي الحرب. وليست زيارة بلينكن إلّا واحدة من الخطوات التي تبعت الكشف عن المقترح، والتي يؤمل منها الكثير أميركيّاً؛ إذ على الإدارة أن تعمل على إيجاد شبكة أمان لحكومة نتنياهو، في حال الاتفاق على الصفقة المطروحة، وانسحاب حزبَي اليمين الفاشي منها، وفقدانها بالنتيجة الأغلبية في «الكنيست»، كما عليها أن تليّن المعارضة داخل حزب «الليكود»، وأن تطمئن نتنياهو إلى أنها لا تدفع إلى استبداله بشخصية أخرى من حزبه. والمطلب محقَّق، بمعنى أن المعارضة عرضت بالفعل على نتنياهو شبكة أمان لإمرار الصفقة مع «حماس»، وإن بثمن وقف الحرب. لكن هل ينسحب هذا «الأمان» على ما بعد تنفيذ الصفقة؟ الإجابة تميل كثيراً إلى تقدير سلبي، وإنْ كان إسقاط الحكومة لا يلغي وجودها، إلى أن تُنظّم انتخابات جديدة، وإلى أن تعلن نتائجها، وهو ما يستهلك أشهراً طويلة نسبياً، يبقى فيها نتنياهو على رأس القرار السياسي في تل أبيب.
إنهاء الحرب، والفرضية التي ترسم لها إسرائيلياً وأميركياً، ليس ممكناً إلا مع موافقة حركة «حماس» والفصائل


وينتظر المراقبون أيضاً الزيارة المقرّرة لنتنياهو إلى واشنطن، لإلقاء خطاب أمام الكونغرس في الـ 24 من الشهر المقبل. وعلى رغم أن الزيارة كانت تهدف إلى الرّد على إصدار مذكرة اعتقال دولية بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية من لاهاي، على خلفية ارتكابه جرائم حرب في غزة، إلا أن تسهيلها ومشاركة زعماء مجلسَي الكونغرس في الدعوة إليها، يمثّلان إغراء بالنسبة إلى نتنياهو، وخاصة أن الفيتو الرئاسي عليها لا يؤثّر في إمكان تحقّقها. ويُنظر إلى هذا الموعد على أنه مفصليّ في مسار الحرب الإسرائيلية على غزة، فهل تكون الزيارة مناسبة لنتنياهو للإعلان عن إنهاء الحرب وتحقيقه انتصاراً فيها؟ الأكيد أن الإعلان لا يمكن أن يتحقَّق ما دام الأسرى الإسرائيليون في قبضة الفصائل الفلسطينية في غزة، ما يعني ضرورة إطلاق سراحهم قبل الرحلة إلى واشنطن، سواء عبر الخيار العسكري أو الاتفاق، والأول لم يَعُد يراهن عليه أحد، في حين أن صفقة محتملة مع «حماس» هي الخيار الوحيد المجدي. أمّا إذا لم يتحقَّق أيّ من هذين الخيارَين، فهذا يعني أن إسرائيل مقبلة على أزمة مع نفسها أولاً، ومع الولايات المتحدة ثانياً، فيما الجانبان معنيّان بأن لا يتصادما وفقاً للخيار الثالث.
وهكذا، فإن التوجّه إلى انتخابات مبكرة بعد تحرير الأسرى الإسرائيليين، حتى في ظلّ اتفاق مع «حماس»، من شأنه أن يحسّن مكانة نتنياهو لدى الجمهور الإسرائيلي الذي بات يتفهّم عقم الحرب، وهو ما يمكّنه من استرداد جزء ممّن فقدهم من الناخبين الذين انزاحوا في اتجاه اليمين المتطرّف الفاشي، أو في اتجاه أحزاب يمين الوسط، مثل حزب غانتس - آيزنكوت. والرهان على إمكانية استرداد هؤلاء، مع ضمان وقوف الأحزاب الحريدية إلى جانبه، في انتخابات ستكون الدعاية اليمينية لاعباً بارزاً فيها، وهو ما يجيده نتنياهو، لن يكون سيناريو سيئاً بالمطلق. وهنا، تلتقي مصلحة نتنياهو الشخصية مع مصلحة إسرائيل الدولة، وبالنتيجة التوجّه إلى إنهاء الحرب.
إلا أن إنهاء الحرب ليس ممكناً إلا مع موافقة حركة «حماس» والفصائل، وهو ما يفسّر ضغوط واشنطن على الحركة عبر وكلائها وشركائها في المنطقة، ومنها ما يجري تداوله عن تهديدات قطرية لقيادة «حماس»، بإمكان طردها من الدوحة، ما لم تنصع للاقتراح الإسرائيلي، بلا أيّ إضافات. وعلى أي حال، فإن التقديرات عرضة للتغيير وفقاً للمتغيرات المقبلة، التي ثبت، خلال الأشهر الثمانية الماضية، أنها أكثر تأثيراً من أيّ ثوابت ومعطيات آنية، وإن كان الأكيد أن الحرب انتهت عملياً، وبات استمرارها عقيماً.