«إن الاتجاهات التي يسير فيها الجيش لن تؤدي بنا إلى النصر. فالجيش يشن هجمات من دون الحفاظ على استمرارية الجهود وتركيزها، ولا يطهّر الأمكنة التي يعمل فيها، بل يخرج من هناك سريعاً، الأمر الذي يمكّن العدو من التحلي بقدرات قتالية تشكل تحدياً للجيش عندما يعود إلى النقاط ذاتها التي خرج منها». ذاك ما خلص إليه العقيد في الاحتياط، عوزي نحميا، الذي يُشرف على دورة ضباط الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي افتُتحت للمرّة الثانية منذ بدء الحرب، بهدف تعويض النقص في عديد هؤلاء، والناجم عن الخسائر البشرية من جراء المعارك. ونحميا لعب دوراً مركزياً في الإشراف على عمل إحدى الكتائب التابعة للفرقة 261، خلال قتالها في بيت حانون شماليّ القطاع. وهو خدم في الجيش على مدى 25 عاماً، قاد خلالها تشكيلات من لواءي «غفعاتي» و«الكسندروني» (منطقة جنين)، كما أنه قاتل في «سييرت متكال»، وكان نائباً لقائد لواء «غفعاتي»، وكذلك نائباً لقائد «كتيبة غيفن» لمدرسة ضباط سلاح المشاة.وفقاً للعقيد، فإن الوضع في رفح تشوبه الكثير من المشاكل؛ حيث الأوامر في الميدان غير واضحة للجنود أنفسهم، و«ما يُصوّر للخارج على أنه نجاح غير معهود، يعكس في أحسن الأحوال الانفصال (عن الواقع) داخل الجيش. لقد استغرق الأمر كثيراً من الوقت حتى اتخذ القرار بشن الهجوم، وبعد ذلك خرجنا إلى الهجوم بفرقة واحدة بدلاً من فرقتين كما كان مخططاً. القوات في الميدان تتذمر من نقصان الوسائل والتسليح، وكذلك من عدم توضيح المهام، فمنذ السيطرة على محور فلادلفيا تقوم القوات بمهام دفاعية من دون هجمات نحو مركز رفح». وأضاف: «القوات في الميدان قالت إنه في أكثر من مرّة قامت المستويات العليا (في الجيش) بإيقافها خلال الهجوم لعدّة ساعات، عندما يكون هناك عدم وضوح بشأن طبيعة وتوقيت مواصلة القتال». ونبه إلى أنه «بهذه الطريقة لن نتمكن من إلحاق الضرر الفعلي بكتائب حماس الباقية في رفح». وتابع أن «كل ما تقدّم لا يُعكس على مستوى هيئة الأركان، ومن خلال الأخيرة للجمهور، وكذلك لصناع القرار. لا شك في أن ثمة انفصالاً وقلة ثقة بين المستويات الميدانية والمستويات في هيئة الأركان، وعلى الجيش أن يقدّم تفسيراً لذلك».
وفي ردهم على نحميا، هاجم مسؤولون في الجيش الأخير، معتبرين أن «عليه توجيه انتقاداته حول العملية في رفح، إلى المستوى السياسي. فليس عبثاً أن العملية لا تسير كما خطط لها الجيش». وبحسب هؤلاء، فإنه في «الخطط الأصلية للجيش، أعد الأخير هجوماً بفرقتين متمرستين، ولكن بتوجيهات من المستوى السياسي، وخصوصاً عقب الضغط الأميركي، قُلّصت خطّة الهجوم ليصبح بفرقة واحدة». ويضاف إلى ذلك، أن «كل تقدم للقوات يتطلب موافقة من المستوى السياسي، خلافاً لعمليات احتلال سابقة في مناطق أخرى مثل خانيونس».
الوضع في رفح تشوبه الكثير من المشاكل، حيث الأوامر في الميدان غير واضحة للجنود أنفسهم


لكن نحميا ليس وحيداً في ما يعتقده؛ إذ إنه التقى قادة عسكريين آخرين في الاحتياط، بهدف البحث في كيفية تغيير المعادلة القائمة، والتي بحسبها «يتقدّم الجيش خطوتين إلى الأمام ويعود واحدة إلى الوراء». ومن بين هؤلاء القادة، العميد في الاحتياط، أورون سولمون، من «فرقة غزة»؛ والعقيد رونين كوهين، ضابط الاستخبارات للمنطقة الوسطى سابقاً؛ العقيد في الاحتياط بروفيسور غابي سيبوني، الباحث الكبير في «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن»، وكذلك في «معهد مسغاف للأمن القومي»، والقائد السابق في لواء «غولاني»؛ ونيتي بيرنباوم، العضو في «منتدى قادة الكتائب» الذي يضم أكثر من مئة قائد كتيبة، وغيرهم.
وفي الأشهر الأخيرة، عمل القادة المذكورون على تغيير المفاهيم من الداخل؛ إذ بحسب نحميا «عرضنا الأمور قبل أربعة أشهر أمام قائد ذراع البر، وكذلك أمام رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، غير أن شيئاً لم يتبدل. حُددت لنا لقاءات إضافية في الشهرين الأخيرين مع هليفي، ولكن جميعها أُجّلت أكثر من ثلاث مرّات». وأضاف أن «الضباط الذين يسعون لإحداث تغيير، حتى الآن يحاولون صياغة الخطوات الصحيحة لفعل ذلك... للأسف الشديد، حتى الآن لا مناص لنا، وقريباً سنخرج في خطوات إضافية من أجل الدفع ببديل لطبيعة الحرب التي يقودها الجيش اليوم. نحن من لحم ودم الجيش، وهذه الدولة تهمنا، ولا يوجد لدينا رفاهية الجلوس والصمت عندما يكون الوضع خطيراً إلى هذا الحد»، مشيراً إلى أنهم يخططون لإقامة مؤتمر كبير في حدائق «هتعروخاه» (حدائق المعارض) في الـ19 من الجاري، بهدف مناقشة الخطوات المطلوبة لتحقيق أهداف الحرب.
والانتقادات التي يوجهها نحميا ورفاقه ليست جديدة، فقد طالب ضباط برتبة لواء في الجيش الإسرائيلي، وبرتب أدنى أيضاً، هليفي، والجنرالات المسؤولين «شخصياً» عن إخفاق الحرب، بتطبيق مسؤوليتهم عن الإخفاق، والتي أعلنوا عنها في أعقاب هجوم «طوفان الأقصى»، من خلال تقديم الاستقالة من مناصبهم والخروج من صفوف الجيش. وأخيراً، وصفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الانتقادات الموجهة إلى هليفي وجنرالات آخرين بأنها «موضوعية للغاية ومهنية وشرعية»، معتبرةً أن الأخطر من ذلك هو «تجاهلها من جانب قيادة الجيش»، مشيرةً إلى أن «صداماً مباشراً» وقع بين هليفي وعضو هيئة الأركان العامة وقائد الفيلق الشمالي، الجنرال ساعار تسور، في أعقاب قرار هليفي إنهاء مهام الأخير وتسريحه من الجيش، ليخلفه في المنصب قائد «الفرقة 98» (فيلق النار)، العميد دان غولدفوس، الأمر الذي رأى فيه ضباط في هيئة الأركان العامة «خياراً غير صائب»، بالنظر إلى أن تسريح تسور أتى في ظل احتمال اتساع الحرب مقابل "حزب الله"، فضلاً عن أن بعض هؤلاء الضباط يعتقدون أن «تسور يستحق الترقية من خلال قيادة ذراع البرية».
وطبقاً للصحيفة فإنه خلال لقاء بين تسور وهليفي، وبينما كان الأخير يعتزم إبلاغه بالقرار، سأل الأول: «هل أنا من أخفقت وعليّ الانصراف؟ فهناك مسؤولون عن الإخفاق لا يزالون في مناصبهم»، فردّ هليفي قائلاً إن «رئيس شعبة الاستخبارات (أهارون حاليفا) استقال»، لكن تسور أجابه: «وماذا بشأن البقية؟» في إشارة إلى هليفي نفسه، الذي أعلن عن مسؤوليته عن الإخفاق في هجوم «طوفان الأقصى»، لكنه لم يتخذ قرار الاستقالة بعد. كذلك، نقلت الصحيفة عن ضابط كبير قوله إن «رئيس هيئة الأركان العامة مسؤول عن الإخفاق. والجيش الإسرائيلي ليس مؤسسة خاصة، ولمصلحة الجيش والدولة ينبغي أن يطبق مسؤوليته ويخلي كرسيه. وأنا أتألم بسبب هليفي، وهو قائد جيد وشجاع وشخص طيب، لكنه أخفق. وينبغي أن يقود الجيش شخص آخر. وأي أحد كانت له علاقة مباشرة (بالفشل) عليه أن يعود إلى بيته».