لا يوم يشبه السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 في ذاكرة العالم. لقد بدا يومها أنّ الدولة العبريّة، قاعدة «الحضارة الغربيّة» المتقدمة في الشرق العربي ومدلّلة الإمبريالية العالمية ومختبر الرأسمالية المعولمة لصناعات الهيمنة وإخضاع الشعوب، كأنها مجرد كيان سفيه من ورق. لقد اجتاحها العاشقون العائدون إلى حبيبتهم فلسطين براً وبحراً وجواً، فنكّلوا بمن وجودهم في طريقهم، وأسروا العشرات، وحيّدوا مواقع عسكرية واستخبارية، ولساعات طوال، لم يكن ليعلو صوت في جوار قطاع غزّة سوى صوت الجيش الفلسطيني. يوم من التاريخ الساطع تظن أن لن يقدر أن يزوّره أحد.
كان «أشباح بيروت» (2023) آخر أعمال يسخاروف وراز

لكنّ العبراني، الذي صار اسمه كناية عن التخصّص الدقيق في تزوير التاريخ واختلاق الأماكن وتلفيق السرديّات يرى غير ذلك، وهو أطلق باكراً، في موازاة حرب الإبادة المستمرة ضد الفلسطينيين من دون توقف منذ الثامن من أكتوبر، جبهةً موازية للسيطرة الكليّة على التوثيق المرئي لما حصل من وثائقيّات وتسجيلات. وها هو يستدعي كبار ضباط حربه في فضاء الدراما لاستكمال المهمة: آفي يسخاروف وليئور راز، الجنديان السابقان في الجيش الإسرائيلي اللذان اشتهرا بعدما أنتجا أربع مواسم من «فوضى» (2015) مسلسل حرب المستعربين الإسرائيليين على المقاومين. رغم تفاهته الظاهرة وتهافت منطقه السردي، يعدّ العمل أنجح مسلسل إسرائيلي على الإطلاق، وانتقل بالإنتاج الدرامي العبري إلى هامش العالمية على ظهر منصة نتفليكس الأميركيّة. كتب يسخاروف وراز سيناريو فيلم سينمائي روائي طويل يحمل اسماً طموحاً لا أقل من «7 أكتوبر» يحكيان فيه قصّة مزعومة عن بطولات جنرال إسرائيلي متقاعد خلال ذلك اليوم الطويل، وسيعملان مع «ليفياثان»، شركة الإنتاج الصهيونية المتخصّصة في التاريخ والدراما والفولكلور العبراني، على إنتاجه وعرضه عالمياً. ويدّعي الشريكان أن القصّة مستندة إلى وقائع حقيقيّة عن نعوم تيبون، الجنرال المتقاعد عن ذبح الفلسطينيين، الذي يُقال إنّه انتقل فور سماعه بحصار عائلة ابنه في ناحال عوز ـــ أحد كيبوتسات غلاف غزّة ــ أثناء السابع من أكتوبر، وشارك في القتال بسلاحه الشخصي مع وحدات الجيش الإسرائيلي التي استدعيت للتعامل مع اختراق الفدائيين للمستعمرة الاستيطانية. وقد تلقفت الصحف الأميركيّة المتصهينة الحكاية وجعلت منها سرديّة بديلةً عن ذلّ يوم الغفران الثاني، وتجسيداً لروح «الصمود» اليهودية المتخيّلة في مواجهة الشدائد.
ويعترف يسخاروف وراز بأنّ عملهما «سيكون مكرّساً لتضخيم شجاعة نعوم تيبون» القاتل المتقاعد الذي عاد لممارسة مهنته، مع قناعتهما بأنّ في القصّة ملمحاً إنسانياً يتجاوز أي دين أو بلد أو صراع محدد، إذ تعكس، بشكل جميل «التضحيات التي نحن على استعداد لتقديمها من أجل من نحبّ» على حد تعبيرهما.
وقد علم أن نعوم تيبون وابنه أمير تيبون سيعملان كمستشارين في مشروع الفيلم. وكان آخر أعمال الثنائي يسخاروف وراز مسلسل «أشباح بيروت» (2023) الدراما الوثائقية من شبكة «شوتايم» الأميركيّة عن عمليّة اغتيال القائد الشهيد عماد مغنيّة في دمشق. لكن هذا العمل لم يحقق الكثير، لا على مستوى توثيق الحدث، ولا على مستوى الإنتاج الفني، وانتهى أقرب إلى منتج بروباغندا رديء آخر مكرّس لتشويه السمعة الشخصيّة للقائد العربي الكبير ووصم بيئته، لا غير.