يَنتظر قطاع غزة، كما جبهات الإسناد في الإقليم، كَشْف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن موقفه النهائي من المقترح الذي عرضه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد وروده إليه من إسرائيل نفسها. وتلك في ذاتها مفارقة؛ أي أن يَنتظر الجميع موافقة الجانب الذي بلور المقترح، وهو ما يفسّره تخبّط صاحب القرار في تل أبيب، إزاء حربٍ باتت تراوح مكانها، فيما يَظهر جليّاً أن أهدافها ليست قابلة للتحقُّق. واقع الأمر، أن المقترح إسرائيلي بالفعل، وقد أودعته تل أبيب لدى واشنطن، بموافقة من نتنياهو شخصيّاً، غير أن اللغط الحاصل، مردّه الإحراج الناتج من العلانية الأميركية، والذي يخلّف ضبابية وتذبذباً في الموقف المعلَن لرئيس حكومة الاحتلال. وعلى هذه الخلفية، يَرِد الشيء ونقيضه من جانب نتنياهو، الذي يبدو أنه قبل، في الغرف المغلقة، بالصفقة، بما تتضمّنه من وقفٍ للحرب، بعدما أصبحت الأخيرة بلا أفق، وبات الوقت يأكل من إنجازاتها التكتيكية، وصولاً إلى تداعياتها السلبية التي تتعاظم يوماً بعد يوم، في أكثر من اتّجاه، داخلي وخارجي. والواضح أن هذا القبول جاء اضطراريّاً، وما كان ليَصدر عنه لولا اضطراره له، رغم أن جملة عوامل شخصية وسياسية (مصلحة الائتلاف الحكومي)، فضلاً عمّا يخصّ مكانة إسرائيل وصورتها، تصعّب على نتنياهو سلوك مسار إنهاء الحرب.بناءً عليه، يبدو أن نتنياهو يحاول دفع حركة «حماس» إلى إفشال الاتفاق، وهو ما فشل فيه إلى الآن؛ إذ أحسنت المقاومة الفلسطينية تجاهل تلك المحاولات، علماً أن الرجل كان أكد أمام «لجنة الخارجية والأمن» في «الكنيست»، بعد الكشف عن الخطوط العامة للاتّفاق، أنه لن يوافق على إنهاء الحرب، كما لن يتخلّى عن «الانتصار المطلق»، وأنه سيكون قادراً على استئناف القتال بعد انتهاء المرحلة الأولى، التي تستمرّ لـ42 يوماً. ومن جهتها، تواصل الإدارة الأميركية ضغوطها على تل أبيب، ولا سيما نتنياهو، عبر ترهيبه وإغرائه في آن، فيما لا يُستبعد أن يكون جزء من تطوّرات الداخل الإسرائيلي، مرتبطاً بتحريك أميركي. وما يدلّ على ما تقدّم، تجديد رئيس المعارضة، يائير لابيد، القول إنه سيمنح نتنياهو «شبكة أمان» في حال مضيّ الأخير قدماً في الصفقة، وإنْ بثمن إنهاء الحرب، ما يعني أن لابيد سيعطي أصوات حزبه للحكومة في حال قرّر الثنائي الفاشي، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إسقاطها على خلفية الاتفاق. أيضاً، يبدو أن إدارة بايدن ستكون أكثر حزماً لجهة وقف الإجراءات القضائية الدولية في لاهاي ضدّ نتنياهو ووزير حربه، يوآف غالانت، وذلك عبر منع المحاكمة وتجميد إجراءات المحكمة وقراراتها، مقابل تجاوب القيادة الإسرائيلية مع مقترح التسوية، فيما يَظهر أن وتيرة الاحتجاجات التي يقودها أهالي الأسرى الإسرائيليين، في ضوء الإعلان عن المقترح، تصاعدت، قياساً إلى ما كانت عليه قبل الإعلان.
يبدو أن نتنياهو يحاول دفع حركة «حماس» إلى إفشال الاتفاق، وهو ما فشل فيه إلى الآن


وإذا كان عرض لابيد مجدياً نسبيّاً، إلا أنه لا يغري نتنياهو كثيراً؛ ذلك أن «شبكة الأمان» في الكنيست مهمّتها منع إسقاط الحكومة على خلفية الاتفاق مع حركة «حماس»، ولكن ماذا عن سقوطها بعد الاتفاق. وهل ستستمرّ «الشبكة» التي يوفّرها الخصوم السياسيون، في حال انتهت الحرب؟ أمّا «الإغراء» الثاني، فربّما يكون أكثر جدوى من الأول، ,لا سيما أن مصالح نتنياهو الشخصية هي ما يهمّه أولاً، علماً أنه يدرك أن ملاحقته القضائية لن توضع موضع التنفيذ، كونها سيناريو لن يسمح به الغرب، رغم «الفقاعة الإعلامية» والمواقف التي واكبت وأعقبت التلويح بإصدار مذكّرة اعتقال في حقه. وفي نهاية المطاف، فإن هكذا إجراءات وُجدت لملاحقة أعداء الولايات المتحدة والغرب، وليس ملاحقتها هي وحلفائها. وإذ يجري الحديث أيضاً عن الخسائر المادية والاقتصادية والمكانة الدولية لإسرائيل، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بالقطاعات الإنتاجية وغيرها الكثير من الأسباب، إلا أن هذه العوامل غير كافية لدفعها إلى إنهاء الحرب. إلّا أن مسار الحرب نفسها، وفشلها في تحقيق المطلوب منها على جبهة غزة تحديداً، وكذلك على جبهة لبنان التي زادت سخونة مع احتمال انفجارها، فضلاً عن جبهة اليمن، كافية في ذاتها لدفع إسرائيل ونتنياهو إلى قرار لم يكونا يريدانه بالمطلق: وقف الحرب ومنع المزيد من خسائرها.
وإلى أن تعلن إسرائيل موقفها من اقتراحها، ستبقى الحرب عالقة مع نفسها، وسيبقى موقف نتنياهو ضبابيّاً، في ما يُعدّ جزءاً من تكتيكاته وإستراتيجياته المعتمدة في الأزمات. ولربّما يكون ذلك جزءاً من العملية التفاوضية، تأمل إسرائيل في أن يُكسبها بعضاً ممّا خسرته. كما يمكن أن يكون فترة إلزامية لحلحلة العقد المتكاثرة داخل الائتلاف الحكومي، عبر دفعه إلى القبول بالصفقة، بعد إفهام الشركاء أنها أقلّ سوءاً قياساً بفرضية الانسحاب من الحكومة وإسقاطها والتوجّه إلى انتخابات مبكرة، واحتمال خسارة السلطة، فيما لا يزال على نتنياهو تسوية وضع حزبه، «الليكود»، حيث ينتظره معارضو الاتفاق، وهم ليسوا بأقلية كما يتّضح من المواقف الصادرة عن بعضهم. والتقدير المتقدّم، قد يكون أكثر التقديرات رجحاناً، في حرب طالت أكثر ممّا يجب، ونتجت منها قرارات وإستراتيجيات ومواقف غير سويّة، وقد تكون نتيجة طبيعية للصدمة التي تلقّتها إسرائيل في السابع من أكتوبر، والتي ستبقى تداعياتها على الكيان ومستقبله وثقة مركباته وجمهوره به، ما بقي له من سنوات وجوده.