كشّر وزراء «الصهيونية الدينية» عن أنيابهم، مهدّدين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بإسقاط حكومته، إذا ما وافق على المقترح الذي عرضه الرئيس الأميركي، جو بايدن، الجمعة الماضي، كمخرج للحرب. وفي هذا الإطار، اتّهمت وزيرة العلوم، غيلا غلمئيل، بايدن، بإدارة المفاوضات في الإعلام لدواعٍ سياسية، تتعلّق بالسباق الرئاسي في الولايات المتحدة وحساباته الداخلية، مشيرة، في مقابلة مع إذاعة «الشمال 104.5 إف إم»، إلى أن المقترح «لا ينهي الحرب، ولكن في مراحل معيّنة سيكون هناك وقف لإطلاق النار»، فيما «لن نسمح لحماس في نهاية الحرب بأن تكون لها قوّة عسكرية أو سياسية».أمّا وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، فقال إن نتنياهو يمنعه من الاطّلاع على نص مسوّدة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تحدّث عنه بايدن. وأضاف في حديثٍ إلى الصحافيين أن «رئيس الحكومة وافق على أن أحضر إلى مكتبه وأطّلع على المسوّدة. منذ موافقته، مرّت 24 ساعة، تخلّلتها مماطلة وتسويف، إذاً، سيدي رئيس الحكومة، ما الذي تخفيه؟». وتابع: «ظهر اليوم، حدّثني (رئيس مجلس الأمن القومي) تساحي هنغبي. ولن أحكي كلّ شيء، احتراماً له فقط، ولكن ما يمكنني قوله هو أن (هنغبي) رسم خطوط الكابينت المصغّر». وزاد: «إذا لم تكن صفقة انهزامية، ولا تتضمّن إنهاء الحرب... لماذا ترفضون أن أراها بعدما وعدتم بذلك؟»، مفسّراً التسويف بأن «الصفقة انهزامية، وتوجد محاولة لتبييضها»، مكرّراً تهديده لنتنياهو بأنه «إذا وقّع على صفقة انهزامية من دون القضاء على حماس، فإن عوتسماه يهوديت (الحزب الذي يقوده بن غفير)، سيفكّك الحكومة».
وكان نتنياهو قد استبق وزيره، مؤكداً في اجتماع «لجنة الخارجية والأمن» في الكنيست «(أنني) لن أكون مستعداً لوقف الحرب. ولن أصف هنا تفاصيل الصفقة، لكن ما قاله الرئيس بايدن ليس دقيقاً». وأضاف: «توجد تفاصيل أخرى لم يتم الكشف عنها بعد. وبإمكاننا وقف القتال لمدة 42 يوماً من أجل إعادة المختطفين، لكن لن نتنازل عن انتصار مطلق»، ما يعني أنه يقذف الكرة إلى ملعب «حماس» حتى ترفض الأخيرة الصفقة، فلا يَظهر هو كَمَن رفضها بداية.
من جهته، هدّد وزير المالية، رئيس كتلة «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، بأنه سيقف بكل قوّة ضدّ نتنياهو إذا ما وافق الأخير على مقترح بايدن. وقال، في خطاب ألقاه أمام «مخيم الشجاعة» في القدس: «قلت لنتنياهو، نحن والعائلات الثكلى (عائلات جنود الجيش الإسرائيلي من التيار الصهيوني الديني التي تطالب بالاستمرار في الحرب)، ومعنا غالبية شعب إسرائيل، سنقف إلى جانبك حتى الحسم والنصر، ولكننا سنقف ضدّك بكل قوّة وهجومية إذا اخترت الخضوع والانهزام». وتابع أن «إدارة كابينت الحرب فاشلة وخطيرة... مرة تلو أخرى يعودون إلى الأخطاء ذاتها، مجدّداً يخضعون للسنوار، ومرة بعد أخرى يتنازلون عن كل الخطوط الحمر... وبالنتيجة، حماس تتصلّب في مواقفها. لقد قلت مراراً إن الضغط العسكري لا يكفي وإنه بدلاً من الركض خلف حماس في قطر ومصر، علينا أن نلاحق قادة الحركة ونقضي عليهم في غزة والعالم».
نتنياهو: بإمكاننا وقف القتال لمدة 42 يوماً من أجل إعادة المختطفين


وبالعودة إلى مقترح بايدن، قال سموتريتش إنه ليس ملزماً به، مكرّراً أن ما قاله الرئيس الأميركي صيغ في مجلس الحرب، ومن دون موافقة المجلس الوزاري (الكابينت الموسّع)، ولذا فهو «غير قانوني». وهدّد، كما زميله بن غفير، بأنه «لن يعود جزءاً من الحكومة»، في ما لو مضت في الصفقة. وكان سموتريتش تشاور، قبل ذلك، مع حاخامات «الصهيونية الدينية» في شأن مستقبل حزبه في الحكومة. ووفقاً لما نقلته «كان» عن مصادر مطّلعة على المشاورات، فإن الحزب سيقدّم استقالته من الحكومة إذا ما وافقت الأخيرة على مقترح بايدن. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي نفسه، ومن بعده سموتريتش، أعلنا أن المقترح المعروض إسرائيلي، إلا أن محللين إسرائيليين قالوا إن نتنياهو سيرفض المسوّدة من أجل مواصلة الحرب، نظراً إلى التهديدات الموجعة التي يتلقّاها من شركائه في الائتلاف، والذي لن يكون في مقدوره الاستمرار في الحكم من دونهم.
وعلى ما يبدو، سيضطرّ نتنياهو للاختيار بين طريقين اثنين، وفقاً للمحلّل السياسي في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت؛ فإما بن غفير وسموتريتش و»التوحّل» في غزة، أو «صفقة سياسية تاريخية كبرى» مع من سمّاهم «جميع الحلفاء في المحور المعادي للشيعة»، ضد التهديد الوجودي الحقيقي على إسرائيل. وبحسب المحلّل، فإن التوقيت الذي اختاره بايدن لإلقاء خطابه لم يكن عبثياً، فقد جاء قبل أيام من الموعد الذي وضعه رئيس «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، للانسحاب من الحكومة إذا لم تجد الأخيرة صيغة توافقية بخصوص قانون التجنيد، ولم تبادر إلى حلّ مسألة اليوم التالي. وطبقاً لبن كسبيت، فإن انسحاب غانتس من الحكومة بعد طرح بايدن «سيضعه في معضلة، وإن بقي في الحكومة فسيتحوّل إلى نكتة»، على اعتبار أنه لن يفي بوعده بالانسحاب. أمّا نتنياهو فهو يواجه «معضلة أصعب، إذ إنه خلافاً للمرات السابقة، لا توجد هذه المرّة إمكانية لأن يتردّد أو يرفض أو يماطل أو أن يُنهك الجانب الآخر (إدارة بايدن). فالجانب المنهك هو نحن (إسرائيل)، وقريباً لن يكون هناك جانب آخر. على نتنياهو أن يقرّر، وهو ليس معتاداً على اتخاذ قرار»، في إشارة إلى نهجه في «إدارة الصراع» مقابل الفلسطينيين، من دون التوصّل إلى حلّ لأيّ مسألة.