تبدو أسئلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واليوم الذي يليها، أكثر بكثير من الإجابات التي يملكها أصحاب القرار والخبراء والمحلّلون. فالحرب التي بدأت تتحوّل إلى معركة استنزاف بعد ثمانية أشهر من بدئها، تراوح مكانها عمليّاً، رغم الوعود المبطّنة التي يطلقها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بالمضيّ قُدماً في اجتياح رفح، جنوبي القطاع، بعد السيطرة على محور فيلادلفيا. وإذ يُعدّ التهديد باجتياح المدينة وجوارها الغربي، وإنْ على مراحل، ورقةَ الضغط الأخيرة الموجودة في حوزة الحكومة الإسرائيلية، لدفع فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة «حماس»، إلى التنازل عن تشدّدها، وربّما أيضاً - كما تأمل مركّبات الحكومة من اليمين واليمين المتطرّف - الاستسلام بهدف الحؤول دون ارتكاب مزيد من المجازر في حقّ الفلسطينيين، إلا أن السؤال الأكثر حضوراً في هذه المرحلة، يتركّز حول مدى فعالية هذه الورقة: ماذا لو لم تخضع المقاومة في مرحلة التهديد قبل اجتياح المدينة، وماذا يحصل في ما لو جرى اجتياحها فعلاً؟إلى ما قبل خطاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، مساء أمس، على الأقل، كان بدا أن الإدارة الأميركية استسلمت أمام تعنُّت نتنياهو وشركائه، وقرّرت ألا تستخدم أيّاً من أوراق الضغط الكفيلة بدفع صاحب القرار في تل أبيب إلى التراجع وإنهاء الحرب، وهو ما يدركه رئيس الحكومة الإسرائيلية ويراهن عليه: ما يدفع إلى وقف الحرب، هو إجراءات أميركية تؤذي إسرائيل الدولة، فيما تكتفي إدارة بايدن بممارسة ضغوط خجولة على نتنياهو نفسه، والنتيجة مواصلة الدعم الفعلي للأخير وشركائه، حتى وإنْ كانت نيّتهم مواصلة القتال. وفي المقابل، ميزان القدرة والفعل بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة، لا يدفع نحو وقف الحرب؛ إذ إن الفصائل تستطيع منع الكيان من تحقيق أهدافه وإفشال مخطّطاته، إلا أنه ليس في إمكانها دفعه إلى التراجع. وبين الكلفة والجدوى، يختار نتنياهو الأخيرة، وتحديداً ما يتّصل منها بالجدوى الشخصية، وليس بتحقيق أهداف الحرب المعلَنة.
مَن هم خارج الحكومة ليسوا متّفقين سوى على إسقاطها، ولكنهم عاجزون عن الاتحاد لاستبدال نتنياهو


على أن الكلفة التي تدفعها إسرائيل، من قتلى وإصابات في صفوف الجنود، ربما تفضي إلى تولّد دينامية في الداخل الإسرائيلي، ليس في اتّجاه تغيير موقف نتنياهو، بل في اتّجاه إسقاط حكومته. وفي هذا الاتجاه الأخير تحديداً، تحرّكت، قبل أيام ثلاثة أحزاب معارِضة، ممثّلة برئيس الحكومة السابق، رئيس حزب «يش عتيد» يائير لابيد ( 24 مقعداً من أصل 120)، ووزير القضاء السابق، رئيس حزب «أمل جديد» جدعون ساعر (4 مقاعد)، ووزير الأمن السابق، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان (6 مقاعد). وبحث الأقطاب الثلاثة، في لقاء جمعهم، إطاحة حكومة نتنياهو، ودعوا رئيس حزب «معسكر الدولة»، الوزير بني غانتس (8 مقاعد)، إلى مغادرة الحكومة قبل الموعد الذي حدَّده في الثامن من شهر حزيران، للعمل سويّاً على تحقيق الهدف: إسقاط نتنياهو وائتلافه. إلّا أن هؤلاء، حتى في حال انضمّ إليهم غانتس (42 مقعداً من أصل 120) لا يملكون الغالبية المطلوبة لإسقاط نتنياهو الذي يحوز وشركاؤه 64 عضوَ «كنيست»، يؤمّنون له الثقة والاستمرار. كما أن مَن هم خارج الحكومة ليسوا متّفقين سوى على إسقاطها، ولكنهم عاجزون عن الاتحاد لاستبدال نتنياهو، كونهم لن يتّفقوا على رئيس بديل، علماً أن استبدال الحكومة يختلف كثيراً عن الانتخابات المبكرة، التي لا يعلم أحد من الآن كيف ستكون نتيجتها. وإلى ذلك الحين، سيبقى نتنياهو صاحب القرار وصانعه في تل أبيب.
ويضاف إلى ما تقدّم، أن اللقاء الثلاثي الذي كان استعراضيّاً، تجنّب أصحابه دعوة الأحزاب الأخرى في المعارضة («حزب العمل» وحزبا فلسطينيّي عام 1948) إلى صفوفهم، لأنهم لا يريدون، في ظلّ الاتجاه اليميني للجمهور الإسرائيلي والذي تعزَّز منذ السابع من أكتوبر، أن يسِمهم أحد بشعار اليسار والعرب، في ما يمثل إشارة دالّة على بقاء مثل هذا اللقاء شكليّاً في سياقات اللعبة السياسية الداخلية وتسجيل المواقف والتجاذبات. أما في حال انسحاب غانتس من الحكومة بعد أسبوع من الآن - كما وعد في وقت سابق -، ومع فرضية انضمام بقيّة الأحزاب المعارضة إلى التحرك ضدّ نتنياهو، فإن عدد أعضاء «الكنيست» من المعارضين لا يتجاوز الـ56 عضواً، ما يعني، أن هذا التحرّك يحتاج أيضاً إلى انشقاق خمسة أعضاء من «الليكود»، وهو أمر يصعب تصوّره في هذه المرحلة.