على وقع التصعيد في البحر الأحمر، يبدو أن أولوية أبو ظبي، لا تقتصر على مواجهة قوات صنعاء فقط، عبر الدفع بالمكوّنات الموالية لها إلى فتح جبهات جديدة ضد حركة "أنصار الله"، بل تمتدّ أيضاً إلى مواجهة النفوذ السعودي المتعاظم في المحافظات الجنوبية. ويعكف "المجلس الانتقالي الجنوبي"، منذ أيام، على عقد اجتماعات عسكرية وسياسية وإعلامية، لرسم خطوط المواجهة الجديدة، وفق "مقتضيات المرحلة"، والمتمثّلة في معركة صنعاء البحرية المفتوحة ضد الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن التحرّكات السعودية، سواء منها العسكرية في المحافظات الجنوبية أو حتى تلك السياسية والدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق السلام.وعلى رغم أن "الانتقالي" لم يبدأ أي تحرّك عسكري في مواجهة صنعاء، سواء في البحر أو في البرّ، إلا أن خطابه السياسي والإعلامي بلغ ذروته في التصعيد ضدها، عبر التصويب على "التداعيات الاقتصادية" لعملياتها العسكرية في البحريْن الأحمر والعربي وخليج عدن. ولم يكتف المجلس بذلك، بل إن رئيسه، عيدروس الزبيدي، حمّل، في لقاء جمعه بالإعلاميين التابعين له، حكومة الإنقاذ، مسؤولية الحصار المفروض على البلاد. وقال في تصريحات تكشف عن سياسات ممنهجة ترسمها واشنطن وأبو ظبي، من أجل التشويش على انتصارات "أنصار الله" السياسية والشعبية، نتيجة للمعركة التي تخوضها دفاعاً عن غزة، إن "صنعاء تمنع الغذاء والدواء من الوصول إلى موانئ البلاد".
وبرأي متابعين، فإن محدّدات الخطاب السياسي والإعلامي الذي يكرّره "الانتقالي" وبقية القوى الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي، في مواجهة صنعاء، منذ بدء معركة البحر الأحمر، تبدو بعيدة عن الواقع، خصوصاً أن معركة تلك القوى تصبّ فقط في مصلحة تل أبيب والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. كما تكشف هذه المحدّدات حجم التراجع والانسلاخ عن المشاريع المحلية الوطنية، لصالح مشاريع القوى الخارجية. والظاهر أن واشنطن ولندن وأبو ظبي هندست السردية المشار إليها، في محاولة للضغط من بوابة الملف الاقتصادي، سواء لناحية انهيار العملة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة "التحالف"، أو لجهة ارتفاع الأسعار، وتسخير ذلك ضمن المعركة السياسية والإعلامية ضد "أنصار الله"، من خلال الإيحاء بأن الضرر الذي لحق بالبلاد، لم يكن نتيجة الحرب والحصار، والسياسات المفروضة على اليمن من قبل الدول نفسها ومعها السعودية، خلال السنوات التسع الماضية.
تواصل السعودية تعزيز حضورها في المحافظات الجنوبية


وفي موازاة تلك المعركة، تخوض أبو ظبي معركة مفتوحة أيضاً في مواجهة النفوذ السعودي، معتبرةً أن التهديد الحقيقي لنفوذها في المحافظات الجنوبية، يتمثّل في التغلغل السعودي المتسارع، العسكري والسياسي، في تلك المحافظات. ورفضت الإمارات، بشكل معلن، ولأول مرّة، دمج التشكيلات العسكرية الموالية لها ضمن القوات التابعة للسعودية، في مؤسسات "الشرعية". وعبّر المتحدّث باسم قوات "الانتقالي"، محمد النقيب، عن اعتقاده "باستحالة دمج القوات، خصوصاً أن الانتقالي بات يسيطر على معظم المناطق في الجنوب". ولم يكتف "الانتقالي" بذلك، بل إنه صعّد في مواجهة الرياض، وهدّد بفضّ الشراكة في إطار "مجلس القيادة الرئاسي" والحكومة، ولوّح بتشكيل حكومة جنوبية.
من جانبها، تواصل السعودية تعزيز حضورها في المحافظات الجنوبية. وعلى رغم هزيمتها العسكرية في أبين وشبوة قبل عامين تقريباً، في مواجهة القوات الموالية للإمارات، إلا أنها جدّدت نفوذها عبر التشكيلات العسكرية الجديدة المنضوية ضمن "درع الوطن"، وتمكّنت من نشر تلك القوات بالقرب من معاقل الجماعات التابعة للإمارات في معظم المدن الجنوبية. ليس هذا فحسب، بل إن الرياض أسّست أحلافاً سياسية وقبلية في المحافظات الشرقية لمواجهة القوى السياسية التابعة للإمارات هناك. كذلك، يبدو أن الخطوات السعودية نحو السلام مع صنعاء، تندرج ضمن استهداف الرياض لأبو ظبي، خصوصاً أن السعودية تفاوض "أنصار الله" منفردة، وتحوك بنوداً ترى الإمارات أنها تأتي على حساب مصالحها، الأمر الذي يفسّر رفض الأخيرة دمج القوات الموالية لها في إطار وزارة الدفاع، وحرصها على استقلالها من أجل استخدامها كورقة لهدم عملية السلام في حال لم تأت على مقاس المصالح الإماراتية في جنوب اليمن.
هكذا تبدو معركة أبو ظبي السياسية والإعلامية، في الوقت الراهن، في مواجهة صنعاء، فيما المعركة الميدانية في مواجهة الرياض، على اعتبار أن الأولى مؤقّتة، بينما الثانية وجودية.