لم يكن صدفة أن تتمّ عملية احتجاز السفينة الإسرائيلية «غالاكسي ليدر» في البحر الأحمر، والتي تُعدّ الأولى من نوعها في منطقة مكتظّة بالبوارج والسفن البحرية العسكرية الأجنبية، بعد ساعات من التحذير الذي أطلقه الناطق باسم القوات المسلّحة اليمنية، يحيى سريع، من أن قوات بلاده سوف تستهدف السفن الإسرائيلية التي تعبر بابَ المندب أو البحر الأحمر. وكانت البحرية اليمنية على علم بعبور السفينة، على رغم أن الأخيرة أُحيطت من قِبل القوات البحرية المشتركة المتعدّدة الجنسيات بأطواق من الإجراءات «التمويهية» و«التضليلية». على أن العملية لم تكن سهلة؛ إذ إن دخول القوات البحرية اليمنية في عمق المياه تطلّب إجراءات عسكرية معقّدة في بيئة تُعتبر معادية ومستنفرة.واستغرق سحب السفينة إلى السواحل اليمنية ساعات طويلة، بينما كانت الأسلحة التابعة للقوات البحرية اليمنية، من صواريخ بحر - بحر، وبر - بحر، والمُسيّرات الجوية، والمُسيّرات البحرية، والزوارق السريعة، وغيرها، على أهبة الاستعداد للاشتباك مع أيّ قوة أجنبية تحاول إفشال الهجوم. والظاهر أن هذه العملية التي شاركت فيها طائرات إنزال مروحية وأخرى مُسيّرة وزوارق سريعة، لن تكون عملاً وحيداً أو يتيماً، بل من المقرّر أن تعقبها عمليات أخرى في حال لم تُحدث، بالإضافة إلى المسارات الموازية (القصف بالمُسيّرات والصواريخ على الكيان الإسرائيلي)، التأثير المطلوب على العدو، من ضمن فعل تراكمي تصاعدي يستهدف إجباره على وقف العدوان على قطاع غزة.
وفي تفاصيل الهجوم، يتبيّن أن «غالاكسي ليدر» سُحبت من قلب الإجراءات التأمينية التي توفّرها القوات البحرية المشتركة للبحر الأحمر، والمكوّنة من تحالف بحري متعدّد الجنسيات تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ويدّعي أن من مهامه مكافحة الإرهاب، ومنع القرصنة، والحدّ من الأنشطة غير القانونية، وتعزيز البيئة البحرية الآمنة. وهكذا، وجدت تلك القوات نفسها في وضع شديد التعقيد أدّى إلى اتّخاذ قرار بعدم التصدّي للقوات اليمنية، لأن ذلك كان من شأنه أن يشعل حرباً كبيرة في البحر الأحمر سيكون من تداعياتها الإغلاق التامّ لمضيق باب المندب، وتوقّف حركة المرور البحرية، وهذا ما ترغب القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، في تجنّب حدوثه حتى الآن.
من المتوقّع إذا تمادى الاحتلال في عدوانه، أن ينتقل اليمن إلى استهداف كلّ السفن التي تفرغ حمولتها في الموانئ الإسرائيلية


وتشكّل عملية احتجاز السفينة نقلة نوعية في سياق التصعيد الذي بدأته القيادة في صنعاء، بما يخدم القضية الفلسطينية ويعقّد الموقف على العدو في حرب الإبادة التي يشنّها على غزة. ومن المقرّر أن تستمرّ القوات البحرية اليمنية في استهداف السفن المعادية في باب المندب والبحر الأحمر، كجزء من خطة أوسع تشمل العديد من الجوانب والجبهات العسكرية، وأوراقاً أخرى تستخدمها قيادة صنعاء وفق الظروف الميدانية للمعركة ومتطلّبات الحاجة الفلسطينية إلى تصعيد الموقف.
ولا يعني البدء باستهداف السفن الإسرائيلية أن ذلك متوقّف على السفن المملوكة لدولة الاحتلال أو شركاتها الخاصة، بل من المتوقّع، في حال تمادي إسرائيل في عدوانها على غزة، أن ينتقل اليمن إلى مرحلة أخرى متقدّمة، عبر استهداف كلّ السفن التي تفرغ حمولتها في الموانئ الإسرائيلية أو الخارجة منها، مهما كانت جنسيتها أو الأعلام التي ترفعها. وفي المقابل، من غير المتوقّع أن تنجح القوات البحرية المشتركة في ردع اليمن عن القيام بمهامه العسكرية، إذ إن قرار مساندة المقاومة في غزة، إنما هو قرار قوي وثابت وغير قابل للمساومة، ولن تفلح أيّ مفاوضات أو وساطات من قبل أطراف دولية، مثلما يجري حالياً، أن تحتويه إلّا بما يخدم الهدف الذي تُنفّذ من أجله العمليات، أي وقف العدوان على القطاع.